كنت أرى مكّاوي السماعلي في صحبة الحبيب بوعبانة غالبا، ولم أكن أعرف سرّ العلاقة بينهما إذ كانت ملامح مكاوي توحي بكثير من العنف والقسوة وهي في الحقيقة ملامح لا تعكس بالمرّة ما يخفيه من مشاعر نبل ومودّة للناس ولم أشأ في تلك السنوات ان أسأل بوعبانة عن سرّ علاقته بالمكّاوي لعلمي كرهه لمثل هذه الاسئلة وشاءت الاقدار ان أكتشف هذا السر بغياب الماتر بوعبانة قبل ثماني سنوات! يملك مكّاوي السماعلي مجموعة مهمة جدا من أعمال بوعبانة وهي حسب تقييم الخبراء تعدّ من أهم المجموعات الفنية ففي سنواته الاخيرة اصبح مكّاوي هو المقتني الوحيد تقريبا لما ينتجه الحبيب بوعبانة وكانت العلاقة بينهما متينة وعميقة حتى أن الحبيب كان يعتبره ابنا له. بدأت علاقة الماتر بمكّاوي بمعركة في مقهى فلورنس بشارع قرطاج وهو المقهى الذي يشهد على جزء أساسي من تاريخ الثقافة التونسية، أعتقد الماتر أن مكّاوي «خليقة» فعامله بعنف غير مبرر لكن هذا العنف فتح صفحة علاقة حب بينهما كما يؤكد المكّاوي، بدأ المكّاوي تاجرا في الأسواق الشعبية من سوق العصر الى سوق سيدي عبد السلام متنقلا ببضاعته الصغيرة ولم يكن يعرف طعما للعطل ولا للبحر اذ يعمل في العطل لمساعدة عائلته المستقرة في ضاحية لاكانيا المنحدرة من أرياف القصرين. استقرّ الحال بمكّاوي في نهج زرقون وفتح محلا لبيع الملابس المستوردة لكن الحبيب بوعبانة غيّر له مساره وتحوّل الى مجمّع الى الاعمال الفنية يتنقل بين المعارض ويقتني ما يروق له ففي رصيده الآن عددا مهما من الأعمال الفنية ذات القيمة العالية مثل بوعبانة وعمّار فرحات ومراد الحرباوي. لمين ساسي بعد رحيل الحبيب بوعبانة أصبح مكّاوي المقتني الاساسي لأعمال لمين ساسي ويعتبر مكّاوي أن ساسي لا يقل قيمة عن الماتر لذلك أصبح مدمنا على اقتناء أعماله التشكيلية لأنه فنّان كبير وله دقة في أعماله ويملك الآن مجموعة كبيرة جدا من أعمال لمين ساسي. لا يفكّر مكّاوي في الربح المالي بقدر ما يشعر بسعادة قصوى عندما يقتني أثرا فنيا فمكّاوي الذي انقطع عن التعليم في الباكالوريا وقد كان سليم دولة من بين أساتذته وجد في الفن التشكيلي واقتناء اللوحات من أغنى روحه فعلاقته العميقة جدا مع الحبيب بوعبانة رحمه ا& أو مع لمين ساسي الآن ليس لها أي طابع مادي لكنّها علاقة مشبعة بحب الفن وقد رفض مكّاوي كما يقول عرضا للمشاركة بأعمال بوعبانة في السويد رغم يقينه أن هذا المعرض سيدرّ عليه الملايين لأنه يؤمن ان بوعبانة تونسي وأعماله يجب أن تبقى في تونس. لكن ما مصير كل هذه اللوحات؟ الحلم الذي يعيش عليه مكّاوي هو أن تقتني وزارة الثقافة والمحافظة على التراث أعمال الحبيب بوعبانة لتأثيث متحف الفن الحديث الذي سيفتتح في مدينة الثقافة وكذلك أعمال لمين ساسي لأنهما جديران بأن يكونا في معرض دائم للفن التشكيلي.