لم تكن مفاجأة لأحد أن لا تنجح وزارة الفلاحة، في دفع اطارات وأعوان ديوان الحبوب المعتصمين منذ 15 يوما الى فك اعتصامهم، وحملهم على القبول بالسيد حمدي مارس رئيسا مديرا عاما جديدا لمؤسستهم خلفا للسيد يوسف ناجي الذي رحل بجرة قلم أربكت الادارة والأعوان، رحل مأسوف عليه من كثيرين خبروا صدقه ونزاهته ووطنيته وحسن تعاطيه مع مواسم تجميع الحبوب ونبشه في ملفات الفساد المالي والمديونية. وبالرغم من كل المساعي التي نشطت في الأسبوعين الماضيين من أجل اقناع جمهور عريض من الحبوبيين بإنهاء وقفتهم الاحتجاجية، فإن الأفق المنظور لا يبدو فيه ما يشير الى امكانية بلوغ هذا الهدف من خلال التفاوض الذي جرب ولم يفلح، وقد يكون مرد ذلك تلويح وزير الفلاحة والبيئة برفض أي احتمال لمراجعة التعيينات الأخيرة، غير البريئة حسب البعض على رأس ديوان الوزارة وعدد من المؤسسات التابعة لها بما في ذلك ديوان الحبوب؟... لكن الغريب في هذا الأمر، أن يندفع أحد مسؤولي وحدة الاعلام بوزارة الفلاحة والبيئة، في اتجاه التصعيد ومزيد تفكيك لحمة العاملين وتقسيمهم بين مؤيد لقرارات، يجمع كثيرون على أنها ظهرت في توقيت غير مناسب، وبين مناهض لها جملة وتفصيلا، أن يندفع هذا المسؤول من خلال مقال كتبه بخط يده وأرسله عبر فاكس الوزارة (بحوزتنا نسخة منه) الى صحيفة يومية نشرته، وتحدث فيه عن الصراع الدائر هذه الأيام بين بعض أعوان ومديرين وكواهي مديرين في ديوان الحبوب وبين نقابتهم الأساسية، وقد نصر في مقاله هذا شقا على آخر، ما جعلنا نعتقد أن ذلك لم يكن مجازفة مجانية غير محسوبة، وانما من أجل ارضاء الوزارة واشباع غرور بعض مسؤوليها... هذا الموقف يبين دون شك أن سلطة الاشراف دخلت على خط الصراع، وفشلت في جعل المعتصمين يغيرون موقفهم الثابت من رفض تعيين السيد حمدي مارس على رأس مركزية الحبوب وهو المشهود له أيضا بالكفاءة في مجال التشريع الفلاحي، وأنها ماضية أو هكذا يفهم، في تأجيج موجة احتجاجات غير مضمونة العواقب اختير لها أدق ظرف على الاطلاق، ألا وهو موسم حصاد وجمع الحبوب وما أدراك ما جمع الحبوب في زمن الثورة؟. وإلا بماذا تفسر المواقف المنحازة التي دخلت بدون استئذان على خط المواجهة، بين مؤيدي قرار وزير الفلاحة والرافضين له من بين أعوان واطارات مركزية الحبوب، لتزيد النار تأججا وتقوي من اصرار المعتصمين على رفض تولى السيد حمدي مارس مهمة رئيس مدير عام جديد لديوان الحبوب، في وقت تحتاج فيه هذه المركزية الى تضافر جهود كافة أبنائها، بل وجهود صناع ثورة 14 جانفي المجيدة المطالبين كل من موقعه بالعمل على انجاح موسمي الحصاد والتجميع وحماية صابة الحبوب الواعدة وتأمين وصولها الى مخازن الديوان ومخازن وزارة الدفاع الوطني التي قد تكون وضعت على ذمة الموسم وذلك في أفضل الظروف التي أمنها للموسم السيد يوسف ناجي قبل اقالته من مهامه على رأس ديوان الحبوب؟؟... ماذا قال المعتصمون؟ أكد بعض الذين حاورناهم من أعوان واطارات مركزية الحبوب المعتصمين أمام مقر الادارة العامة أن العاملين بالديوان هم الظهير والسند القوي لثورة 14 جانفي المجيدة، وأنهم وطنيون بامتياز وحريصون على مواصلة تأكيد رغبتهم في انجاح موسم تجميع الحبوب وتأمين الخبز اليومي للمواطن التونسي...، وينبغي أن يكون واضحا لدى الجميع بأنه لا يمكن أن يستسلم أعوان واطارات ديوان الحبوب لمحاولات تخدير موقفهم من الأزمة الحالية، كما أنهم لن يسمحوا مطلقا باستثمار حسن نواياهم الى أبعد مما ينبغي ولأي سبب كان، ذلك لأنهم يدركون أن هناك من يسعى جاهدا الى تأجيج الصراع في ما بينهم وجعله صيغة دائمة في حياة مركزية الحبوب، يستفيد منها الواقفون على الربوة والمطلون على سوق المساومات... وذكروا أن اقالة السيد يوسف ناجي من منصبه على رأس مركزية الحبوب، وان كانت واردة بحكم التداول على المسؤوليات، فإنها ظهرت في وقت غير مناسب بالمرة ذلك أن الديوان مقبل على موسم تجميع صابة واعدة من الحبوب، أعد لها السيد يوسف ناجي ما يلزم من شروط النجاح بتوافق مع الأطراف المتدخلة في منظومة التجميع وكان ذلك بمتابعة دقيقة من وزير الفلاحة الذي ثمن في أكثر من مناسبة جهود ديوان الحبوب ودوره في حماية محاصيل الحبوب وخزنها في أحسن الظروف، مضيفا أن مكاسب كثيرة حققها الرئيس المدير العام المقال بعيد ثورة 14 جانفي لفائدة العاملين بالديوان بعضها أنجز وبعضها الآخر بقي قيد التأشير عليه وتنفيذه مثل جبر الضرر المهني ونتائج الامتحانات وترقيات التخصص حسب المؤهلات وملف التطهير، اضافة الى ما يتطلبه موسم التجميع من بقايا تحضيرات الادارة العامة السابقة التي قامت والحق يقال بعديد الزيارات الميدانية والاتصالات مع اللجان الجهوية لمتابعة سير الموسم برئاسة السادة الولاة في مناطق انتاج الحبوب ولتحضير طلبات الخزن من كراء مخازن اضافية وضبط آلات الوزن العملاقة وتعديلها قانونا ومداواة لمحلات التخزين وازالة الأعشاب من محيط الخزانات التي عادة ما تجلب الحشرات الضارة بالمخزون علاوة على تسمية الوكلاء المتنقلين وتزويد الدوائر الجهوية بالدفاتر المحاسبية وتجهيزات المخابر القارة والمتنقلة... كل ذلك لم ينجز بإيفاء شروطه كاملة، اضافة الى البواخر المتواجدة عرض البحر في انتظر تفريغها من الحبوب المستوردة انتظار يكلف الديوان يوميا عشرات الملايين، بعض هؤلاء ذكروا أيضا أن الحركة في ديوان الحبوب قد شلت بالكامل تقريبا في كل من قابس والمستودع الرئيس بتونس وخزان بئر القصعة وخزان ميناء رادس وقفصة وغيرها... هل خسر ديوان الحبوب يوسف ناجي؟؟ دخلت ثورة 14 جانفي المجيدة كل مجال، وأطلت بنورها لتضيء الطريق أمام أبنائها وتحتضنهم بحنان وترعاهم، وتمسح بكفها الكريمة ما ينغص حياتهم، فأعطت من حبها الكثير ومن عطفها ما لا يمكن أن يوصف للمناطق المحرومة والعائلات المعوزة التي كتب عليها في عهد الرئيس المخلوع أن تكون هكذا، فصنعت لها الدفء والحنان والحياة الكريمة، لكنها في المقابل حرمت العاملين في ديوان الحبوب من رئيس مدير عام جريء ونظيف بكل معنى الكلمة... رئيس مدير عام تجند بمعية أبناء الديوان الأحرار لتفريغ البواخر الأجنبية في الموانئ التونسية، وتزويد كافة مناطق البلاد بالحبوب في ظل وضعية انفلات أمني رهيب وتحت رصاص المخربين والقناصة... رئيس مدير عام، خبر منظومة الحبوب من ألفها الى يائها وواكب كل المراحل الصعبة لمواسم التجميع العادية والاستثنائية، واستطاع أن يوفق بين كافة المتدخلين في هذه المنظومة وأن يحسن من الأداء العام لمركزية الحبوب ويحميها من الطامعين، وتصدى بقوة لبعض المطاحن التي قامت بتجاوزات بخصوص مادة «السداري» كما اكتشف عن طريق خبراء الديوان وأعوانه غشا في الحبوب الموردة، فمنع وصولها الى المواطن التونسي، وغير ذلك كثير لا يحصى ولا يعد، مما يثلج الصدر من أفعال وأعمال هذا الرئيس المدير العام المقال الذي خسره الديوان، كما خسره كل العاملين بالفكر والساعد في هذا المرفق العمومي عالي القيمة كبير الأهمية... أقول هذا وأنا على يقين من أن اليد التي أقالت السيد يوسف ناجي لا يمكن لها بحال من الأحوال أن تعيده من جديد الى منصبه ولا أعتقد انه يرغب بذلك، لكني أعرف جيدا أنه من الوطنيين الأكفاء بامتياز والمجندين لخدمة البلاد والعباد الذين يوضعون في خانة «الرجل المناسب في المكان المناسب»...