عندما نتحدث عن أجهزة الأمن السياسي في المكان والزمان وكنت بالمناسبة أول المبادرين الذين طالبوا بحلّها منذ عشر سنوات خلت بمكتبة المحامين بقصر العدالة بمناسبة تضامننا مع الزميل الأستاذ عبد الرؤوف العيادي الذي تعرّض للإزعاج والمضايقة والاعتداء من قبل الأمن السياسي في تلك الفترة، نقول هو موضوع «تابو» ممنوع الحديث عنه لأنه يستعمل لتخويف المواطن، كما هو الى حدّ ما معضلة كل المجتمعات والدول ولم ينجح في أي بلد وجد فيه فهو جزء من المشكل وليس جزءا من الحل ولم يكن يساهم في حل أي مشكل، بل مهمته الأساسية كانت بالأساس تعقيد الأمور وخلط الأوراق حتى يتمعش من الأدوار القذرة التي يقوم بها خدمة للدولة الدكتاتورية التي يكون على رأسها مستبدّ جاهل أو طاغية «مستنير» ولو كانت دولة اسرائيل باعتبار أن هذه الأخيرة تدعي بأنها دولة ديمقراطية لم توفر الأمن والطمأنينة لشعبها الى حدّ هذه الساعة رغم امتلاكها لجهاز الموساد الشهير الذي له نفوذ وعلاقات ومهمات حتى خارج البلاد. كل جهاز مخابرات يدعي أنه مجعول لحماية المواطن من الارهاب والتجسس وهو يفعل العكس، يرهب المواطن ويتجسس عليه لأنه يعتبر كل مواطن إرهابيا وجاسوسا الى أن يأتي ما يخالف ذلك، ويجب عليه أن يفعل ذلك ويختلق شيئا حتى وإن لم يجد شيئا باسم خدمة الوطن الذي يخصص له ميزانية رهيبة لا يعرف أحد حجمها مقتطعة من المال العام للقيام بالمهمات السرية التي يتكفل بها في كل القطاعات أحزاب ونقابات وجمعيات وإعلام وبنوك، كما له علاقات خارجية خارجة على السيطرة لا يستطيع مراقبتها حتى رئيس هذا الجهاز وذلك باسم التعاون الدولي لمقاومة ما يسمى بالارهاب وبغسيل الأموال وذلك بتبرير الدولة مختلف وسائل القمع والتعذيب التي مارستها هذه الأجهزة الأمنية ضد الشعوب باسم المحافظة على الاستقرار ، والأمن مضحية بالحريات العامة والخاصة وضاربة عرض الحائط، بكل المواثيق والمعاهدات الدولية لحماية حقوق الانسان، فأصبح الجهاز دولة داخل الدولة وخارج السيطرة، فالتجارب الخارجية للأمن السياسي لقمع الشعوب أو قلب الأنظمة أو القيام بالثورة المضادة أصبحت معروفة عبر التاريخ، فالبوليس السري الألماني والقستابو Guestapo الذي تأسس سنة 1934 كان يحارب ما يسمى بأعداء الدولة الألمانية في الداخل والخارج الى أن أصبح جمعية إجرامية انتهت بمحاكمات نورمبارغ Nuremberg الشهيرة في 20 نوفمبر 1946 نفس المصير كان لجهاز الستازي La stasi بألمانيا الشرقية الذي تأسس سنة 1950 رغم تعاونه الوثيق مع KGB السوفياتية. كذلك نفس النهاية كانت للشرطة السياسية «السافاك» الإيرانية التي أسسها الشاه سنة 1957 ورغم مساهمة وتدعيم جهاز ال«سي أي أي» CIA الأمريكي وجهاز الموساد الاسرائيلي فإنها فشلت في حماية الشاه رغم استعماله لكل الطرق غير المشروعة ولتمتعها بكل الصلاحيات وميزانية لا محدودة، وقع التخلص منه سنة 1979 عند قدوم الخاميني وأتى هو نفسه ببوليسه السياسي وسماه Savevak وزارة الاستعلامات والأمن القومي. وأخطرهم ونواتهم الأولى جهاز ال«سي أي أي» CIA الذي وقع تأسيسه سنة 1947 بموجب National Security Act في بداية الحرب الباردة كلف بجمع وتحليل المعلومات والتجسس وله مهام خارجية سرية خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي وكالة تتمتع بالاستقلالية التامة عن حكومات الولاياتالمتحدة وهي تقوم بالتجسس على الأفراد والمؤسسات والحكومات وتمدّ الحكومة الأمريكية الاتحادية بالمعلومات مع تحليلها، كما يمكن لها أن تقوم بعمليات سرية خارج البلاد بما فيها قلب نظام سياسي في دولة معينة، اختراق أحزاب أو منظمات شغلية، القيام بعمليات اختطاف وتعذيب أو قتل أو المشاركة في تجارة المخدرات وتبييض الأموال ومورطة أيضا في تجارة السلاح في أمريكا اللاتينية وجميع أنحاء العالم حسب بعض المصادر الصحافية، وكل التجارب كلّلت بالفشل الذريع وزعزعت الثقة وأحدثت الفوضى في العلاقات الدولية وبين الشعوب والحرب ضد الارهاب وتحولت أو كادت أن تتحول الى حرب بين الثقافات والأديان والحضارات والغاية منها خلط الأوراق وإبقاء المجتمعات والشعوب في صراع دائم والخوف من الآخر، وأحيانا يتحول هذا الأخير الى «صديق» ونأتي بقوة السلاح والطائرات لندافع عنه ونحميه من «الدكتاتورية» مثال الشعب الليبي مؤخرا طمعا في ثرواته الطبيعية، وفي نفس الوقت نبقي على قوانين الهجرة الصارمة ونسمح بتنقل البضائع ونشرع لمنع تنقل الأشخاص بحرية وهذا يجرنا الى الحدث عن اشكاليات أخرى. فالقرار الأخير التاريخي بحل الأمن السياسي للسيد وزير الداخلية المؤقت فرحات الراجحي وأكده السيد الوزير الأول المؤقت الباجي القائد السبسي يجب الحرص على متابعة تنفيذه بجدية لأن ما نعرفه في العهد السابق أو النظام السابق الذي يقال عنه بأنه نظام بوليسي مخابراتي تتلمذ رئيسه السابق حسب بعض الكتاب وبعض المصادر الصحفية على أجهزة المخابرات الخارجية CIA التي تحدثنا عنها سابقا وهو نظام أو بوليس متغلغل ومندسّ في كل القطاعات، أحزاب، اتحادات مهنية، جمعيات، وسائل إعلام.. وفي الأوساط الطلابية بداية من الجامعة التي يدرسون بها، ويبدؤون التدريب على التجسّس وتحرير التقارير في الشأن الطلابي وفي شأن زملائهم منذ البداية لينتشروا ويواصلوا نفس النشاط كل من موقعه ويعهد له مهمة معينة، لذلك يتجه طرح السؤال في هذه المرحلة على أصحاب القرار، فهل تخلصنا فعلا من هذا النظام البوليسي أم سيقع تغيير في الهيكلة وفي المهام فقط!؟ حسب وجهة نظري يجب القطع جذريا مع النظام البوليسي الفاسد والتعامل الأمني مع كل القضايا الداخلية والخارجية لمصلحة شعبنا وكل الشعوب في العالم وللأجيال القادمة خاصة بعد التجارب الفاشلة السابقة في الداخل والخارج وخاصة بعد أن طالعتنا الصحف ببعض الجرائم الخطيرة التي ارتكبها هذا الجهاز من قتل وتعذيب وتورط في أعمال تجارية مشبوهة مع المافيا ومع العائلة الحاكمة السابقة وأنشطة الفساد واختراق لبعض الأحزاب والمنظمة الشغلية لتسييرها والسيطرة عليها، هل انتهت هذه الممارسات إنها لم تنته وسنعيد نفس الأخطاء؟ يتبع قلم: الأستاذ بديع جراد (المحامي لدى التعقيب)