٭ المتلوي «الشروق»: كمال الشارني دخلنا مدينة المتلوي عند الساعة الواحدة من بعد زوال أمس الثلاثاء، فبدا لنا أننا في مدينة أشباح، وبدت الأنهج خالية تتطاير فيها بقايا الأوراق والفواضل التي تركها الناس كما لو كانوا رحلوا على عجل، وراجت في المدينة أخبار متضاربة عن تقديم بداية حضر التجول إلى الساعة الواحدة بعد الزوال. كان يمكننا الإحساس بسهولة بثقل المأساة التي تجثم على المدينة في الصمت الذي لا يشقه سوى صوت آليات الجيش والشرطة وخصوصا في قصص الموت والقتل على الهوية والتمثيل بالجثث، ومن آثار الحرائق والسواد على جدران المحلات التجارية والعديد من المؤسسات والبيوت، وفي رائحة الدخان المترسب عنها. الوجوه حزينة تتبين ملامح الغرباء، وكثيرون حذروني من إخراج آلة التصوير أصلا، في انتظار تبين تطورات الوضع. تحوم مروحية عسكرية فوق المدينة، وتنطلق عربات عسكرية مدرعة بسرعة مخيفة باتجاه صف من شاحنات الجنود في مدخل المدينة استعدادا لحضر الجولان. ثلاثة أو أربعة محلات تجارية فقط تفتح أبوابها نصفيا في الطريق الرئيسي المعروف باسم طريق توزر، كما لو كان أصحابها يستعدون لإغلاقها فور التقاط أول علامات عودة الاحتقان أو المواجهة، بضعة شبان يمشون متباعدين قريبا من الجدران في صمت. تظهر سيارات الشرطة تمشط الطرقات الفرعية الشاغرة، رغم أن حضر الجولان لم يبدأ بعد، وقد وضح لنا ضابط سام في الجيش أن ما راج عن تغيير وقت الحضر مجرد إشاعات وأنه يبدأ عند الساعة الرابعة. حدثتنا مصادر أخرى مطلعة عن حملة قوية صباح الأمس الثلاثاء أدت إلى إيقاف عدد كبير من المطلوبين للتحقيق وحجز المزيد من الأسلحة البيضاء وأسلحة الصيد، كما توقعت هذه المصادر أن تستمر حملات المداهمة لتنفيذ عمليات الإيقاف وحجز الأسلحة بعد سريان حضر الجولان. المدينة محاصرة بإحكام بمختلف دوريات الأمن والجيش، كل المصالح الإدارية والتجارية ومؤسسات الخدمات مغلقة، ولا حديث عن صلح أو إصلاح هنا في ظل الخوف وفراغ المدينة من أهلها. قبل ذلك قال لنا مصدر مطلع في مدينة قفصة إن كل الجهود مرتكزة حاليا على تطهير المدينة من السلاح ومن الذين يقفون وراء الفتنة، قبل السماح للناس بالعودة إلى الحياة الطبيعية، خصوصا في ظل حالة الاحتقان واحتمالات الثأر من الطرفين أو تجدد المواجهات كما حدث يوم الأحد. نصل رفقة بعض الأصدقاء إلى «نقطة التماس» بين أهم طرفي الصراع الدموي على طريق أم العرايس بجوار السكة التي تفصل بين الحي العصري حيث أولاد بو يحيى، وحي الأمل الذي تسكنه غالبية من «الجريدية» وحيث حدثت المواجهات الدامية ليلة الجمعة ثم صبيحة السبت. عمليات القتل الأولى على الهوية بدأت في حي مجاور ثم انطلقت نيران الفتنة لتتوسع، ولتحدث جرائم لم نكن نتخيل وقوعها حتى في الخيال أو في أفلام الرعب. لا أحد يفهم كيف يعمد تونسي مسلم إلى قطع جسد أخيه التونسي المسلم والتمثيل به في مكان عام أمام الناس، أو كيف تلاحق مجموعة مسلحة بالسكاكين والسيوف والعصي رجلا لا يعرفون عنه سوى أنه «من العرش الآخر»، لذلك يستحق القتل والتشويه. نستمع إلى قصص بالغة الفظاعة عما حدث منذ مساء الجمعة حتى يوم الأحد، وما يزال قريبا حتى في أذهان الأطفال الذين لا يعرفون كيف يخفون مشاعر الرعب التي سكنتهم بعد مشاهد القتل الجماعي. يبدأ حضر الجولان، تتحرك الآليات العسكرية وسيارات الشرطة في المدينة، ثمة شباب يقف في مداخل الأنهج لمتابعة ما يحدث، يختفون عند ظهور أية عربة عسكرية أو سيارة شرطة. ينطلق أذان العصر بصوت مؤذن خجول، فنرى عددا قليلا من المصلين يتسللون نحو المسجد القريب، بحجة أن إقامة الصلاة لا تتوقف حتى أثناء حضر الجولان.