مثلت زيارة الرئيس العراقي المعين غازي الياور الى عدد من الدول الاوروبية مؤخرا فرصة له لالقاء الخطب والتعريف ب «انجازات» الاحتلال في العراق. فقد صرّح الياور بأن العراق يتجه نحو الديمقراطية برغم تصاعد ما أسماه بالعنف، وذهب الى حد وصف المقاومين بالارهابيين حين تحدّث عن تصاعد وتيرة أعمال المقاومة. ثم ان الياور أسرّ الى محدثيه في بولونيا بأن واقع العراق يختلف عما يشاهدونه على شاشات التلفزيون. ومثل هذه التصريحات لا تفسر إلا على وجهين. فهي تنمّ إما عن جهل لما يجري في العراق، وهذا الاحتمال يعزّز تضخم حجم الهوّة بين الياور «رئيسا» للعراق وبين الشعب العراقي، أو عن مغالطة مقصودة ومفضوحة، إذ لا يجوز الحديث عن تقدّم ديمقراطي بالمفهوم التطبيقي للعبارة في بلد يقع تحت الاحتلال لأن المسار الديمقراطي لا ينشأ الا بعد طرد المحتل، ولأن من ضرورات الممارسة الديمقراطية توفر الحرية والاستقرار. والياور أعلم من غيره بأن هذه القيمة (الحرية) مفقودة لدى العراق شعبا وحكومة، هي مفقودة لدى الشعب العراقي «الممنوع» من اختيار من يحكمه او الرافض لتلك العملية ما دام الاحتلال قائما، ومفقودة لدى الحكومة بالضرورة لأن مشروعية كل حكومة في بلد «ديمقراطي» تستمد اساسا من الشعب، وما أبعد الحكومة العراقية المنصّبة عن تلك المشروعية. على أن جانبا من تصريحات الياور قد ينطوي على شيء من الصحة اذا ما فهم على غير ما قصده الرئيس العراقي المعيّن. فالوضع في العراق مختلف فعلا عما نشاهده على شاشات التلفزيون، لأن ما خفي من فظاعات الاحتلال كان اعظم وما خفي من ضراوة المقاومة ومن خسائر الغزاة ايضا كان أشدّ. فالياور كان يروم تجميل صورة الاحتلال وتبرير كذبة التحرير والزعم بان العراق صار «جنة» بمقدم الامريكان على أن ما نراه من عمليات تفجير يومية تستهدف المحتلين وأذنابهم انما هي اعمال منفردة، شاذة، أتتها «فئة ضالة» رافضة للاخر «المحرر» وفقا لرؤيته، غير أنه وقع من حيث لا يدري في خطأ منهجي في تقديم براهينه حين اقر بتصاعد اعمال المقاومة بما يعنيه ذلك من تزايد الرفض الشعبي للاحتلال ومن تدهور الوضع الامني في البلاد. وزعم في الوقت عينه ان العراق صار «حرّا» يتطلّع الى الانتخابات بما يعنيه ذلك في تصوّره من استقرار وأمن وطمأنينة. وخلاصة القول إن تصريحات الرئيس العراقي المعيّن لا تختلف كثيرا ا و قليلا عما يصرّح به المسؤولون الامريكيون او القادة العسكريون الميدانيون في سلطات الاحتلال.