اندلعت ثورة الشعب التونسي ذات يوم 14 جانفي من سنة 2011 نتيجة معاناة مريرة واحتقان كبير وتراكمات قاتلة جعلته يرزح طيلة عقود تحت وطأة الذل والفقر والتهميش والإستبداد، تحملت الطبقات الكادحة منه كل أصناف التغريب وهي في وطنها وخارجه صبرت وصابرت ممنية النفس بإنفراج الحال وتحسن الأحوال إلا أن أمانيها كانت تتلاشى وتتبخر يوما بعد يوم حتى طفحت الكأس، فكان يوم 14 جانفي فيه كسر الشعب أغلال الظلم والإستبداد وفيه استرجع كرامته التي هو جدير بها إلا أن عصابات المخلوع خدمة المستبد لم يرق لها أبدا أن ترى الشعب التونسي يتنفس الحرية والكرامة وينعم بالنخوة والعزة فتحركت بسرعة تحت تأثير البغضاء التي نهشت وتنهش قلوبهم السوداء الحاقدة الشريرة وتآمرت على أمن البلاد فخربت وحرقت ونهبت وروعت وألبست الثورة كل هذه الجرائم وديست لها الدسائس من الذين كالجعل لا يقدرون على العيش والتنفس إلا في روث البغال ثم حملوها وزر الإنفلات الأمني فكمموها وكمموا الحق والحرية بعنوان: لا بد من استتباب الأمن وخلينا «نخدمو على رواحنا» وآستتب الأمن أو هكذا خيل لهم وها هم اليوم يتآمرون على قوت «الزوالي» ويعبثون بأمنه الغذائي فالأسعار أصبحت في تسابق صاروخي نحو الارتفاع ولا من مراقب ولا من محاسب، رغم أن المسؤولين على المراقبة في إجازة مفتوحة متعمدة يتقاضون فيها مرتباتهم من دم الزوالي وبقي المواطن المسكين يتفرج لا حول ولا قوة له واللصوص ينهبون عيشته ويضيقون عليه فسحة الحياة يمتصون دمه ويستحيون عرق جبينه دون رحمة ولا شفقة فأين الحكومة المؤقتة لتوقف انفلات الأمن الغذائي مثلما أوقفت انفلات الأمن البوليسي؟ البطالة تفاقمت بل آنفلتت هي الأخرى على السواد الأعظم من الشعب الكادح والفقر إلتهم الطبقة المسحوقة من المواطنين فبلغت نسبة 24.75 ٪ (وزارة الشؤون الاجتماعية). هل أن الانفلات الأمني البوليسي له من يقاومه ويقضي عليه والانفلات في الأسعار والأمن الغذائي استعصى على الحكومة ولم تجد له حلا؟ أم هو الفصل الموالي من المسرحية؟ وإني بالمناسبة ومن فرط ثقل الحمل الذي أنقض ظهري ونغص عيشي أتمنى من الحكومة المؤقتة أن تبعث ولو بصفة مؤقتة وزارة «حازمة» تخمد انفلات الأمن الغذائي في البلاد مثل ما كانت «حازمة» في إخماد الإنفلات الأمني البوليسي؟ حتى لا تندلع ثورة ثانية وتكون هذه المرة من أجل «الخبزة» فيصبح مطلب الشعب مطلبين: الكرامة والخبز وما أصعب ثورة شعب فقد الكرامة والخبز في نفس الآن.