كلما وصلني عدد جديد من فصلية «الحركة الشعرية» التي يصدرها من المكسيك الشاعر اللبناني الصديق د. قيصر عفيف إلا وشعرت بفرحة غامرة سببها الأول هذا الاصرار المتجدد من لدن منشئ المجلة وصاحبها ورفاقه الذين يشاركونه عبء الاصدار أذكر منهم د. منصور عجمي من أمريكا ود. محمود شريح من لبنان. أقول هذا وأنا أرى مشاريع مجلات كثيرة حققت حضورا معينا ثم اضطرّت للتوقف وغالبا ما تكون أسباب ذلك مادية بحتة، مازلت أتذكر مجلة «الاغتراب الأدبي» الجميلة التي كان يصدرها من لندن بذائقته العالية الشاعر د. صلاح نيازي مع رفيقته الروائية سميرة المانع. هذا عدا الكم الكبير من المجلات العراقية والمصرية واللبنانية والأردنية التي مضت بعد أن حققت حضورا مثل «المعارف» اللبنانية و«الأفق الجديد» الأردنية ثم عمان الأردنية التي تحولت الى مجلة ملوّنة تذكرنا ب«العربي» الكويتية. وكلما أقدم صديق على إصدار مجلة أو حتى فكّر بهكذا مشروع الا ووجدتني أقول له: إنك أمام مدّ من المجلات التي تصدرها جهات ثقافية رسمية من المحيط الى الخليج، وكلها مجلات تنشر بمقابل مجز غالبا، فكيف تستطيع منافستها؟ هذا ما قلته للصديق د. عفيف البوني الذي كنت أجالسه عندما وصله نبأ حصوله على إجازة اصدار مجلته «دراسات استراتيجية» التي أخبرني عنها لأنها مشروع عمره الذي فكّر به وها أن ثورة تونس قد حققت له ما أراد. وربما يكون العدد الأول من هذه المجلة قد صدر أو أنه في طريقه الى ذلك. وما نتمناه أن تصدر مجلات أخرى في تونس الثورة ضمن مشاريع كانت في عداد الأحلام بالنسبة الى شباب الأدب والفن. ونعتبر صدور مجلات جديدة انعكاسا لحيوية سياسية وثقافية تعيشها تونس، وهذا الكمّ من الأحزاب التي قد يرى البعض عددها كبيرا وقد لا يراه كذلك آخر، مع أنه كما نراه أمرا طبيعيا جاء أشبه بالانفراج بعد كبت وتقنين. ولكن أي حزب سيقدم على نشر مجلة أو أكثر ثقافية أو فكرية؟ أطلق هذا السؤال وأنا أعرف أن سوق المجلات مهما كانت قيمتها ليست سوقا مشجعة وأمامنا مجلات ثقافية قادمة من لبنان ومن الخليج العربي ولكن بيعها يظل محدودا رغم أنها تباع بأثمان في المتناول مثل «نزوى» العمانية (ديناران فقط) أو الأداب اللبنانية (ثلاثة دنانير). أعود الى مجلة «الحركة الشعرية» وآخر عدد صدر منها مؤرخ بشهر اذار (مارس) 2011 هو بمثابة وجبة شعرية متنوعة، ضمت عدة أسماء شعرية مختلفة التوجهات والاشتغالات. وكانت لشعراء من تونس مساهمتهم الواضحة فيها حيث ضم العدد قصائد ليوسف رزوقة وحسين القهواجي وعبد الفتاح بن حمودة وآخرين. ولشعراء العراق حضورهم كذلك إذ طالعتني قصائد للشاعر المتميز موفق محمد وكذلك الشاعر المعروف عزاب الركاني وغيرهما. يسعدنا تواصل مجلة جميلة مثل «الحركة الشعرية» التي نلجأ إليها بين فترة وأخرى لننشر نصّا ولد من رحم قلقنا وأسئلتنا الممضّة.