من مبعوثنا الخاص الحبيب الميساوي تطاوين «الشروق»: توصف تطاوين بعروس الصحراء، وصف يدغدغ خيالك ويحرك فيك أحاسيس جميلة فترى نفسك بين الواحات تنعم بظلال النخيل وتروي الظمأ بمياه عذبة رقراقة وربما تشتد بك الحماسة فتحمل حقائبك وتشد الرحيل نحوها لتتحول أحلامك الى كوابيس، فأهالينا في هذه الأرض الطيبة يعانون الأمرين بسبب تجاهل الحكومات المتعاقبة لهم منذ ما يزيد على النصف قرن. قال لي صديقي ميلود سائق تاكسي: «يا سيدي هذه مدينة تاريخها من تاريخ الكون مر عليها البربر والرومان والعرب والأتراك والفرنسيون والايطاليون لكننا لم نر أقسى من بن علي وزبانيته هذا الطاغية استعمل الطابور الخامس لتركيع أبنائنا الشرفاء، زج بهم في السجون وشرد المئات منهم وحتى الملاليم التي كانت الدولة ترصدها للجهة كانت تحول وجهتها الى أرصدة اللصوص والأزلام.» والحقيقة أنني اندهشت وأنا أعبر المدينة لأول مرة فعيناي لم ترصدا ولا معملا ولا حتى شركة كبرى بل ان الشارع الكبير الذي يعبر المدينة لا يوجد على ضفتيه سوى بعض الدكاكين لبيع نوع من الحلويات اشتهرت به الجهة وبعض المقاهي التي امتلأت بأعداد كبيرة من الشباب العاطل عن العمل انما وجهت السؤال الى أحد أعضاء مجلس الثورة قال لي: «حسب ما توفر لدينا من معطيات فإن تطاوين تحتل المرتبة الأولى في عدد العاطلين قياسا بعدد السكان. فالبطالة بلغت نسبة ال30% وأغلب البطالين من الشباب أعمارهم ما بين العشرين والأربعين وهم في معظمهم من حاملي الشهائد». «وانفطاه» من المفارقات العجيبة التي تتميز بها تطاوين تلك التي تتعلق بالنفط فالولاية توفر 94% من الانتاج التونسي لهذه المادة ومع ذلك يتزود أهالي المدينة بالبنزين من المهربين في غياب سياسة تموين واضحة حتى ان أحدهم قال لنا ان شاحنات البنزين القادمة الى تطاوين تفرغ شحناتها خارج المدينة وتباع للمهربين بدل أن تفرغ حمولتها في محطات التزويد الرسمية! ويوجد بالمنطقة النفطية بولاية تطاوين أكثر من 30 بئرا موزعة بين البرمة وبرج الخضراء مرورا بكمبوت ولرزط كما «تنام» المنطقة على احتياطي هام من الغاز الطبيعي. ورغم أن الغاز الطبيعي يأتي من تطاوين فإن الولاية بأكملها تملك شبكة لتزويد المواطنين بهذه الطاقة بل ان تزويد تطاوين بالغاز الطبيعي مبرمج لسنة 2013 وهي آخر مدينة سيشملهاعطف الشركة التونسية للكهرباء والغاز رغم أنها المنتج الوحيد لهذه المادة في الجمهورية، وحتى الاعتصام الذي قام به شباب المدينة لم يفض الى نتائج ملموسة في مستوى التشغيل فشركات البترول الخمس والشركات ال94 التي تعمل لحسابها لم تقم بجهد اضافي لامتصاص العدد الكبير من العاطلين. وعن الثقافة فحدث وعن خطورة الأوضاع الاجتماعية وتزايد عدد العاطلين عن العمل همش القطاع الثقافي فلا وجود لقاعات سينما ولا لنواد ثقافية مما دفع بالآلاف من المواطنين الى اجتياح المقاهي والأرصفة بحثا عن صديق يشاركه لعب الورق، أما الفضاءات الترفيهية للعائلات فبالكاد أن تجد فضاء مهيأ يتوفر على أبسط التجهيزات. وتبقى عزلة مدن الولاية المعضلة الكبرى بسبب غياب وسائل النقل فشبكة الحافلات التي تربط بين مناطق الجهة ترسم بمدنين بما أن ولاية تطاوين لا تتوفر على شركة للنقل خاصة بها ما جعل أمر التنقل بين مدن الولاية من المهام العسيرة. تطاوين عروس الصحراء في انتظار زفتها التي قد تسعد ال50 ألف من متساكني الصحراء.