٭ تونس «الشروق»: أحدث انسحاب ممثلي حركة «النهضة» من جلسة أوّل أمس لهيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي جدلا واسعا انصبّ حول أسباب هذا الانسحاب ومداه وحول آفاق عمل الهيئة في علاقة بترتيب ما بقي من مستلزمات العملية الانتخابية المرتقبة ليوم 23 أكتوبر القادم وإعداد جملة النصوص التشريعية ذات العلاقة بتنظيم الشأن السياسي والتمويل والجمعيات ، إضافة إلى ما أضحى يتهدّد الحالة الوفاقية التي بُنيت عليها هذه المرحلة الانتقالية. «الشروق» التقت نور الدين البحيري الناطق الرسمي لحركة النهضة وأحد ممثليها في هيئة تحقيق أهداف الثورة وبحثت معه حول جملة الاتهامات التي توجهها «النهضة» للهيئة وكذلك بعض الاتهامات التي توجّهها بعض الأطراف للحركة وحول المغزى من الجدل الدائر والّذي بلغ مؤخرا حالة من التوتّر والشدّة. ٭ في البداية، ما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انسحابكم للمرّة الثانية من اجتماعات هيئة تحقيق أهداف الثورة وهل هو انسحاب نهائي منها؟ انسحبنا من الجلسة وأحلنا الأمر على مؤسسات الحركة لتحدّد الموقف النهائي من الهيئة إن سلبا أو إيجابا ومؤسسات الحركة انطلقت في دراسة الأمر وستتخذ موقفا سيتم الإعلان عنه بصفة رسمية حال بلوغنا لصيغته النهائية. ونحن اضطررنا للانسحاب من جلسة يوم الأربعاء لأسباب متعدّدة أهمّها: 1-إنّ الأوضاع في الهيئة وخاصة في ما يتعلق في العلاقة بين أعضائها وبين بعضهم وبين مكتب الهيئة قد وصلت حدّا من التردّي لم يعد من المسموح السكوت عنه، فمنذ إصدار مجموعة أعضاء من الهيئة لما سمي ببيان 13 تجنّد أعضاء آخرون محسوبون على أحد الأحزاب السياسية وأحد الجمعيات النسائية للتشهير بمن أمضى على ذلك البيان وبحركتنا ولتوجيه اتهامات باطلة دون رادع ودون حجج وقد وصل الأمر حد منع الممضين على البيان وكل من رأى ضرورة عن حقه في التعبير ومن إبداء وجهة نظرهم ورد التهم الموجهة لهم، ورغم محاولات التنبيه لخطورة هذا التمشي لهيئة يفترض أن تكون ديمقراطية فقد تصاعدت الأمور إلى حد التهجّم على البعض والاعتداء بالعنف على البعض الآخر وهي صور نقلتها فضائيات وشاهدها الجميع ويوم الإربعاء كان لي لقاء مع السيّد عياض بن عاشور بطلب منه وقد أشعرته بخطورة الأمر وبتحمّله شخصيا والسيدة نائبته لجزء من مسؤولية ما يحصل وذكرته بأن ما تشهده جلسات الهيئة من تجاوزات لا تليق بها ولا تليق بأهداف الثورة وهي تسيء للأحزاب والنخب والتونسيين جميعا ودعوته لأن يسمح بفتح حوار بين أعضاء الهيئة حتى يتم امتصاص حالة الاحتقان والتذكير بضرورة القبول بالرأي المخالف واحترامه والسعي إلى ضمان حد أدني من الانسجام والتوافق ولكن السيد رئيس الهيئة فاجأنا خلال الجلسة الأخيرة بإبقاء ما سبق له برمجته رافضا تمكين الحضور حتى من مجرد إبداء ملحوظات منهجية حول سبل التطرق وكيفية التطرّق للمشروع المطروح للنقاش وهو ما شجّع أحد أعضاء الهيئة على التجني على الأحزاب وخاصة على الحزب الديمقراطي التقدمي وحركتنا وتوجيه اتهامات باطلة لهما ولغيرهما من الأحزاب ووصل به الأمر حد الدعوة إلى تقسيم الشعب التونسي والمس بوحدته بالتباهي بالعروشية، دون أن يحرّك رئيس الجلسة ساكنا فكانت القطرة التي أفاضت كأس عدد كبير من أعضاء الهيئة ، إذ لا يعقل أن يسمح رئيس الهيئة لأحد أعضائها بالمس بوحدة البلاد والدعوة إلى تجزئتها إلاّ إذا كان غير واع بخطورة ذلك وبتناقض ذلك مع أهداف الثورة وقيمها ومبادئها مما ينحرف بالهيئة وببعض أعضائها عن الهدف المنشود من وجودها ألا وهو تحقيق أهداف الثورة وتطلّعات الشعب. 2- الجميع يعلم أنّ الهيئة ساهمت في تعطيل انجاز انتخابات في موعدها السابق بعد تورّطها في جدل عقيم وفي نقاش جانبي وإضاعة الكثير من الوقت مما استحال معه لاحقا انجاز المهمة في موعدها وقد لاحظت وبقية الإخوة في الحركة لرئيس الهيئة ولأعضائها أنّه علينا أن نستفيد من الأخطاء السابقة وأن نتفادى أي مهاترات قد تؤدي إلى تعطيل الانتخابات وتأجيلها من جديد ونبّهنا إلى أنّ ذلك يتطلب وضع سلّم أولويات في نشاطنا والبت قبل كل شيء في ما تحتاجه الهيئة العليا للانتخابات لانجاز مهمتها ثم المرور لاحقا لنقاش مشاريع مراسيم القوانين المطروحة وهو ما يتطلب النظر في قائمة المناشدين والمسؤولين في الحكومة والتجمع والتي بدونها يستحيل إجراء الانتخابات ولكننا ووجهنا بإصرار غريب على تأجيل حسم هذه المسألة بما يوحي وكأنّ هناك من يرغب في مزيد تعطيل توفير الشروط اللازمة لإجراء الانتخابات وقد ذهب تنبيهنا لخطورة مثل هذا الموقف وتداعياته على بلادنا وعلى ثقة الناس في الهيئة سدى لأنّ السيد رئيس الهيئة ونائبته رفضا حتى مجرد الاستماع إلى رأينا. 3-لاحظنا منذ مدة انفراد مكتب الهيئة وخاصة رئيسها ونائبته بالتنسيق مع أحد الأطراف المكوّنة للهيئة وإحدى الجمعيات النسائية في فرض خيارات على الجميع وقرارات منفردة من ذلك ما حصل من حل للجنة المنتخبة المكلفة بإعداد مشروع العهد الجمهوري وتكليف لجنة أخرى بقرار فوقي وإلغاء النص الأوّل ثم وفي مرحلة أخرى حل اللجنة الثانية وتعويضها بلجنة أخرى، وكذلك التعامل مع تعويض الناطق الرسمي بطريقة لم تحترم أدنى الإجراءات من ذلك أنّه لم يتم إعلام الأعضاء كتابة بشغور تلك المهمة ولا فتح باب الترشحات وتحديد مدة لذلك وفي غياب ترشحات كتابية وقبل حتى احتساب عدد الحضور للتثبت من حصول النصاب من عدمه وبأسلوب يذكّرنا بالعهد البائد تم اختيار أحد أعضاء الهيئة ناطقا رسميا بالتصفيق ، ونفس هذا التصرف الفردي حكم تعاطي الهيئة مع ما تم اكتشافه من أنّ أحد أعضائها المعينين زار الكيان الصهيوني عديد المرات وأقر بتبنيه للتطبيع مع ذلك الكيان الغاصب إن لم يكن اعتزازه بذلك ، إضافة إلى اكتشاف أحد أعضاء الهيئة التي ستنظر في قائمة المناشدين ومن يجب إقصاؤه من الانتخابات بسبب ما تحملوه في الحكومة والحزب شاركت في الحملة الانتخابية لبن علي سنة 2004 ولمّا طالبنا السيد رئيس الهيئة اتخاذ موقف من ذلك على اعتبار الأمر يتناقض مع أهداف الهيئة وما يفترض فيها من سعي لتحقيق أهدافها رفض حتى مجرد عرض الأمر على الجلسة وقال: «هذا الأمر ما يهمنيش» رغم تناقض عضوية النفرين المذكورين في هذه الهيئة مع قيم الثورة ومبادئها ومطالبها ورغم أنّ الكثير من أعضاء الهيئة عبروا عن رفضهم مشاركة هؤلاء عضوية نفس المؤسسة لما يستشعرونه من مساس ذلك بمصداقية الهيئة ومصداقية المشاركين فيها بل إنّ بعضهم يعتبرون ذلك تمريرا للتطبيع وللتعايش مع بقايا العهد البائد. كل ذلك وغيره من التجاوزات الخطيرة عزّز عندنا المخاوف من تحول الهيئة من هيئة لحماية الثورة إلى هيئة الالتفاف على الثورة وتخريبها ومن هيئة للحوار والبناء والبحث عن المشترك بين مكونات المجتمع المدني والسياسي إلى هيئة للتقاتل والجدل العقيم الذي لا يحترم قيما ولا أخلاقا بعد أن وصل الأمر حدّ الاعتداء بالعنف دون أن يتخذ رئيس الهيئة ونائبته موقفا وكأنّ الأمر عادي جدا مما دفعنا من منطلق المسؤولية الوطنية إلى الانسحاب من الهيئة على أن يتمّ عرض الأمر على هياكل الحركة. ٭ راج أنّ هذا الانسحاب الثاني قد يكون نهائيا ..ما هي آفاق تصوراتكم لما يمكن أن تتخذه هياكلكم في هذا الموضوع؟ كل شيء يبقى محتملا والمحدد فيه هو تقديرنا لوضع البلاد ومصلحة الثورة لأنّنا انخرطنا في هذه الهيئة رغم وعينا بما تعانيه تركيبتها من اختلالات واختراقات سعيا وراء توفير شروط انجاز انتخابات حرة ونزيهة وبحثا عن المشترك بين كل مكوناتها وقد بذلنا كل الجهد فيها للسعي وراء التوافق وقدمنا الكثير من التنازلات من أجل ذلك حتى لا نفوّت على شعبنا الاستفادة من كل طاقاته من أبنائه وقد واصلنا العمل في الهيئة ورجعنا للحضور بعد أن علقنا نشاطنا أملا في أن يتعظ الجميع من تلك التجربة وأن تكون انطلاقة للتعامل بروح تشاركية وفاقية في إطار احترام الحق في الاختلاف ووضع المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الشخصية والفئوية وهو ما لم يحصل للأسف الشديد بل يظهر أن توافق الجميع على انجاز انتخابات في موعد تم تحديده وطرح مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني وافتضاح أمر بعض المطبعين قد أدخل بعض الأعضاء في حالة من الهستيريا وردود الفعل التي تجاوزت كلّ الحدود خاصة بعدما لاحظوه من إصرار داخل الهيئة من رفض لكل أشكال التطبيع ورفض التسامح مع المطبعين والمطالبة بإقصائهم من الهيئة ومن هيئة الانتخابات. ٭ لكن ألا تستشعرون خطورة انسحابكم وربّما التحاق أطراف أخرى بكم على مستقبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي ناهيك وأنّها الطرف الوحيد حاليا المؤتمن على عملية الانتقال الديمقراطي؟ وجود الهيئة واستمرارها رهين وفائها للمبادئ التي تأسست عليها ولقيم الثورة ودماء الشهداء والشرعية التوافقية التي تحكم كل مؤسسات البلاد ومن الطبيعي جدا أن يؤدي انحراف هيئة أو إدارتها أو بعض أعضائها عن مبادئها والمهام التي أوكلت لها إلى إرباك نشاطها وتشويهه والمساس بمكانتها في المجتمع ولربما تأكيد عدم جدواها أصلا، والذين يتحملون مسؤولية إفشال تجربة الهيئة هم الذين تنكروا للقيم التي تأسست عليها وللمهام التي التزمت وتعهدت بانجازها وأهمها تحقيق أهداف الثورة بما يعنيه ذلك من وفاء لدماء الشهداء وتضحيات أجيال من التونسيين وتحقيق الانتقال الديمقراطي بما يقتضيه ذلك من مساهمة في توفير شروط استرجاع الشعب لسيادته واختيار من يمثله في انتخابات حرة وشفافة وبما يتطلبه من احترام للرأي المخالف والبحث عما يوحّد التونسيين ويجمعهم حتى يتمكنوا من الوصول ببلادنا إلى شاطئ الأمان. ٭ هناك من يتّهمكم بأنّكم آثرتم خلق هذا الضجيج والانسحاب للتهرّب من مناقشة مشروع مرسوم تنظيم الأحزاب والمال السياسي؟ لم نكن الوحيدين الذين اعترضوا في الهيئة على مناقشة قانون الأحزاب قبل الحسم في ما سبق الإشارة إليها من مسائل وقضايا معلقة حتى نتهم بأنّنا انسحبنا لرفضنا مناقشة ذلك القانون ، وهذه اتهامات هي جزء من حملة مشبوهة تستهدف الأحزاب عامة وحركتنا جزء منها لتشويه صورتها وإفقاد عموم المواطنين الثقة فيها وفي عملية الانتقال الديمقراطي عموما ومن يتابع بعض وسائل الإعلام المعروفة بميولاتها يكتشف أنّ حركتنا وبعض الأحزاب استهدفت قبل عرض مشروع قانون الأحزاب وخلال عرضه وبعده إلى حملات تشويه واتهامات باطلة هدفها قبل المساس بالحركة سعي إلى افتعال مناخ متوتر في البلاد والدفع نحو ردود أفعال ونزاعات وصراعات هامشية لإيجاد مبررات لتأجيل الانتخابات والهروب من صناديق الاقتراع ، والذين يتهموننا اليوم بأننا رفضنا نقاش مشروع الأحزاب هروبا من تقييد التمويل هم الذين اتهمونا بالأمس بالهروب من العقد الجمهوري لمّا عبّرنا عن قرارنا في المصادقة عليه وانكشفت عزلتهم في مسألتي الهوية والتطبيع بحثوا عن تهمة أخرى، وهم كذلك الذين سبق لهم اتهامنا بمعاداة مجلة الأحوال الشخصية ولما دافعنا عن التناصف ولّوا مدبرين وهم الذين حاولوا جرنا وجر المجتمع إلى حرب دينية لما أصروا على فرض الحديث عن العلمانية والمساواة في الإرث وحق التونسيين في أداء شعائرهم التعبدية في أماكن العمل والدراسة ، وكان من الطبيعي بعد فشلهم الذريع في ما سبق وانكشاف تحاملهم ونواياهم المبيتة وافتضاح تعاملهم مع الكيان الصهوني الغاصب وموالاة بعضهم له أن يبحثوا عن اتهام آخر ونحن نعلم أنه لن يكون الأخير ، علما وأنّه ليس لحركتنا أي اعتراض على ضرورة إخضاع تمويل الأحزاب للمراقبة بصيغ مختلفة داخلية عبر منظومة مراقبة في مسك الحسابات ومتابعة المداخيل والمصاريف بواسطة مختصين في المحاسبة وخارجيا عبر تكليف خبراء محاسبين من المنتمين لهيئة الخبراء طبقا للقانون المتعامل به في الشركات التجارية بمهمة المراقبة والمراجعة وعبر احترام مقتضيات القانون في تقديم تقرير عن الوضعية المالية للحركة لدائرة المحاسبات وللسلط المعنية كلما طلب منها ذلك وعبر التعهد بنشر ملخص للقوائم المالية في الصحف ووسائل الإعلام بصفة تلقائية لأنّ القوانين المعمول بها لا تشترط ذلك وتمكين كل رجال الإعلام من كل المعلومات التي يطلبونها في ذلك المجال حتى يمارس الإعلام الحر مهامه كاملة ورقابة الشعب من ورائه على هذه المسألة ونحن الذين اخترنا التعامل مع المسألة المالية بحرفية تامة لا تتوفر في الأحزاب التي ينتمي إليها بعض ممّن يوجه الاتهام لنا. نحن نعي جيدا أهمية الموضوع وليس لنا ما نخفيه وكان أحرى بهؤلاء أن يعطوا فكرة للشعب التونسي عن المبالغ المالية التي سبق لهم أن قبضوها من بن علي بعنوان منح وعطايا وأجور عن عضوية في مؤسسات الحكم حتى يكون الشعب التونسي على بينة مما قبضوه وحتى يحدّد ما إذا كان عليهم إرجاع تلك الأموال إلى الخزينة العامة بحكم أنّه لم يكن لهم أي مبرر مشروع لقبضها. ٭ تتحدّثون وكأنّ حركتكم مستهدفة من أطراف أخرى؟ المستهدف الحقيقي ليس حركة النهضة كحركة بل هي عملية الانتقال الديمقراطي وأهداف الثورة وقيمها ومبادئها ولا أدل على ذلك من أنّ الذين يستهدفون اليوم حركة النهضة والشخصيات الوطنية المستقلة الرافضة للمقايضات والبيع والشراء والأحزاب الوطنية الجادة التي طالما عانت في عهد بن علي إنّما يواجهونهم بنفس الأسلوب الذي كان يعتمده بن علي وإن اختلفت الأدوات والأسماء وبنفس التهم التي أطنب بن علي في إلصاقها بغيره من المعارضين والمخالفين ، ومثلما ثبت ادعاءات زيف بن علي وفساد نظامه سيثبت زيف ادعاءات ورثته وبطلان مساعيهم ولن يكون مآلهم أفضل بكثير من مآله لو لم يكفوا عن مثل هذه الممارسات التي تذكر بالعهد البائد ليعودوا لأحضان شعبهم وثورته المجيدة ، أما نحن في حركة النهضة فيكفينا حب شعبنا ومناضليه الصادقين من مختلف الجهات والأطياف الفكرية والسياسية بإسلامييه وقومييه ويسارييه وغيرهم من القوى الوطنية الصادقة. ولن نفرط في دماء الشهداء وأهداف الثورة ومطالب الشباب والجهات المحرومة ولن نتخلى عنها مهما كان الثمن ، كما أنّنا لم ولن يرهبنا شركاء بن علي وبقاياه ، حمّالو وحمّالات الحطب ممن شاركوا بن علي حكمه وبقاياه.