ما يزال الجدل يحتدمُ في علاقة بنشاط الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وخاصة سير آخر جلساتها ، لما طبعها من توتّر وتشنّج في النقاشات انتهى إلى إعلان ممثلي أحد أهمّ الأطراف السياسية (حركة النهضة) الانسحاب النهائي احتجاجا على ما قالوا إنّه عدم حياد في تسيير رئاسة الهيئة للجلسات ووجود أعضاء لا يُمكنهم أن يرعوا تطلعات الثورة ممّن عبّروا عن حالة من التطبيع مع الكيان الصهيوني ومن تشكيك في مرتكزات الهوية العربية الإسلاميّة للدولة والشعب. أجرى الحديث: خالد الحدّاد بطلب منها ، وبعد نشر رد الأستاذ عياض بن عاشور (رئيس الهيئة) وتأكيدا منّا على الحيادية في تعاطينا مع الشأن السياسي الوطني ، تفتحُ «الشروق» اليوم فضاءها هذا للأستاذة لطيفة الأخضر نائبة رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة الّتي ردّت على جملة من الانتقادات الموجّهة لإدارة الجلسات متوقّفة عند تصوراتها لسبل تأمين نجاح الهيئة في بلوغ ما رُسم لها من أهداف وغايات في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي. لو تصفين لنا الوضع الحالي داخل الهيئة في أعقاب ما حصل من تطورات في الفترة القليلة الماضية؟ الوضع الحالي داخل الهيئة هو وضع طبيعي وهو وضع يستجيب لما هو مطروح على هذه الهيئة من مسؤوليات ويدور داخلها حوار جدي يكون حادا أحيانا وبه نوع من التوتر ، ولكن في اعتقادي فإنّ كلّ هذا من الأمور الطبيعية لأنّ هذه الهيئة لها تركيبة تعددية متنوعة ومن الطبيعي أن يؤدي التنوع والاختلاف إلى نوع من النزاع والتوتّر في بعض الأحيان، لكن المهم أنّ هذه الهيئة واعية وشاعرة بالرهانات الكبرى التي عليها أن تحققها ، وهي رهانات الانتقال الديمقراطي المقنّن. البعض يتّهم رئاسة الهيئة بأنّها غير مُحايدة وأنّها منحازة لطرف دون آخر ، ومن ذلك سكوت الرئاسة عن الاتهامات الخطيرة التي وجّهها بعض أعضاء الهيئة لزملائهم من الممضين على بيان ال13 الشهير من كونهم مأجورين ومندسين ولهم أجندات خفيّة هذا إلى جانب نعتهم بالخيانة ، ودون أن يُسمح للمعنيين بالرد وتوضيح موقفهم ؟ قبل كل شيء هؤلاء أو مجموعة من هؤلاء الّذين من بينهم أصدقاء وزملاء كانت لي معهم تجربة تدريسية في كلية سوسة يسودها الكثير من المحبة البعض من هؤلاء بعد مدّة ، من مرور التشنج أثبتوا روحا من التصالح وأنا بدوري في التلفزة الوطنية قلت بأنّ هذه القضايا هي نسبيّة وعلينا جميعا تجاوزها بكل سرعة وأنّه لا يليق بأيّ منّا بأن تصبح المسألة الخلافيّة بمثابة حرب البسوس أي في دوامها ، وما وقع خلال الجلسة أمام تفاجئنا بهذا الموقف الذي صدر بالصحافة بدون أن نشعر او بدون أن يشعرنا أصحابه بالحدة التي كانوا يصبغون بها هذه الهواجس التي قد تكون مشروعة ومنذ بداية الجلسة طرح رئيس الهيئة القضية وطلب من أصحاب البيان أن يفسّروا ماذا يحدث ولكن لم يطلب هؤلاء الكلمة إلاّ بعد أن رأوا أنّ من بين أعضاء الهيئة من اعتبر أنّ هذا البيان تهجم عليهم ورأوا أنّ من واجبهم الدفاع عن أنفسهم وهذا أيضا أمر مشروع ، وطبعا مثل هذه الوضعيات ينجم عنها الكثير من التوتر ورد الفعل وقد وقع تجاوزه واعتبر أنّ هذه القضية قد انتهت وأنّ الوئام قد رجع بيننا. وما أؤكّدُهُ أنّه ليس من مهمتنا أن ننحاز وليس من أخلاقيات الرئاسة أن تنحاز ولم يحدث هذا أبدا. لكن ما حدث بخصوص لجنة صياغة العقد الجمهوري يُشير إلى عكس ذلك خاصة بتعمّدكم تغيير أعضاء اللجنة لأكثر من مرّة ورفضكم تواجد العضوين فرج معتوق وسالم الحداد في نفس الوقت في تركيبة اللجنة المذكورة؟ وقعت لجنة أولى وأنجزت نصا وجهت له انتقادات كبيرة في ما يخصّ شكله ومضمونه، وأستطيع أن أقول لك بأنه رُفض من قبل الهيئة فكان من المطلوب أن نعيد صياغة النص وحتى لا نقع في الخطإ من جديد ، تم الاتفاق على أن تكون اللجنة مضيقة للنجاعة وتحقيق التركيز المطلوب لتجاوز الانتقادات، وفي الجلسة العامة مثلما وقع تركيب لجنة الفصل 15 وقع تركيب هذه اللجنة وجاءت أسماء وصلت إلى حد الخمسة و6 أسماء، وسالم الحداد عوض أن يأتيني باسمه ضمن المترشحين للعضوية وافاني برغبته بعد أن تسلمت قائمة في ما يهم الأعضاء وقالت القاعة كلمتها فأخذنا اسم فرج معتوق عوضا عن سالم الحداد ، ولمّا اجتمعت اللجنة التحق بها سالم الحداد وعدنان المنصر ومنصف وناس ورأيت ذلك واعتبرت أن ليس في ذلك أي عيب وعملوا داخل اللجنة ولم أر في ذلك أي تجاوز واعتبرت أنّه يمكن لهم إضافة وأنا مقتنعة بأنّ لهم إضافات. وماذا عن صياغة هذا العقد الجمهوري ذاته، البعض يراه سعي إلى تقييد عمل الهيئات المنتخبة والممثلّة في المرحلة المقبلة ومنها المجلس الوطني التأسيسي ؟ نعم ومن من داخل الهيئة وخارجها هناك من قال هذا الكلام ثم تراجع عن ذلك ، والدافع الحقيقي لإحداث هذا العقد هو الوصول إلى التزام أخلاقي لا يمكن أن تكون له صبغة قانونية، هذه الهيئة العليا لها تمثيلية ضافية على الأقل بالنسبة للأحزاب التي لها ماض نضالي والتي كانت موجودة عند تشكيل الهيئة ، في عضوية الهيئة هناك ممثلون عن مختلف مكوّنات المجتمع المدني مثل رابطة حقوق الإنسان والنساء الديمقراطيات والاتحاد العام التونسي للشغل، وبها كذلك ممثلون عن عائلات الشهداء والجهات، وهذه التمثيلية تعطي للهيئة شرعية بأن تحدد نقاطا مركزية فعندما نتفق على التداول على السلطة وعلى السيادة للشعب وعلى المساواة بين الرجل والمرأة وعلى التزامنا بالقضية الفلسطينية وعناصر الهوية التونسية فإنّ ذلك من شأنه أن يهدئ النفوس في المستقبل حتى في المجلس التأسيسي نفسه. وفي نظري فإنّ الشرعية الديمقراطية ليست فقط انتخابية، الديمقراطية تستمدّ شرعيتها من جوهرها، بمعنى أن يصبح الشعب فاعلا لتاريخه، المواطن يصبح فاعلا ومؤثّرا، الديمقراطية يجب أن تكون حامية للحرية. أهم الانتقادات الموجّهة للهيئة أنّ أغلبية تنتمي لطرف سياسي معيّن تُهيمن على أعمال الهيئة وعلى جدول الأعمال ورئاسة الهيئة ؟ لا أبدا، ما هو مطروح الآن على الهيئة هي قضية الوفاق ، هي هيئة تعددية والأفكار داخلها يمكن أن تكون متضاربة والوفاق يعني تواجد آراء مختلفة والجهد يجب أن يكون دائما لتتلاءم هذه الأفكار مع بعضها للوصول إلى حل يرضي الأغلبية ، وما قاله السيد نور الدين البحيري هو خارج عن روح الوفاق وأعتبر أنّ كلّ تلك الجزئيات هي تحامل وادعاءات ، وما يعنيني هي قضية الوفاق : ماذا يعني الوفاق ؟، في اعتقادي الوفاق هو يتجنب أن تفرض الأغلبية قرارها على الأقلية ولكن أيضا الوفاق يستلزم تجنب أن تعطل الأقلية قرار الأغلبية لأنّه حينئذ نصبح في ما يشبه بحق الفيتو وهو من أبعد الأشياء عن التوافق وهذا ما طلب من حزب «النهضة» في ما يخص قانون الأحزاب، فالتوافق يتطلب شرطا أساسيا وجوهريا هو روح اللحمة وألتزم به إلى آخر لحظة والابتعاد عن فكرة الانسحاب وتعليق العضوية لأنّ هذا ضرب لفكرة وجوهر التوافق ، وبخصوص تركيبة الهيئة فحتّى قبل أن ندخل في أي نقاش لأي موضوع ، منذ الدقيقة الأولى قام ممثلو النهضة بالاحتجاج على أنّ تركيبة الهيئة بها أغلبية فهمت منهم أنّها أغلبية ديمقراطية تقدمية أي من بين الوجوه الموجودة من عرفوا خلال فترة بن علي بنضالهم من منطلقات تقدميّة وديمقراطية . لكن في ظل إعلان حركة النهضة عن الانسحاب النهائي وانفتاح المشهد على إمكانية لانسحاب أعضاء آخرين..ألا يوجد لديكم خشية من تعطّل الهيئة عن القيام بمهامها؟ الهيئة لم تنه مهامها بعد ، وبعد العهد الجهوري وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات ، سننهي قضية الفصل 15 من المجلة الانتخابية، صحيح هنالك صعوبات جمّة تحدث عنها مصطفى التليلي رئيس اللجنة وعرض للجلسة العامة تقريرا مفصّلا عنها، وسيقع تجاوزها، وقد توجهنا للحكومة والتلفزة والإذاعة ولكل الصحف بمطلب للحصول على أرشيف رئاسة الجمهورية والتجمّع المنحل وهو عمل يتطلب إجراءات عديدة وجهدا بكل جدية. ونحن لم نتلق أي شيء من النهضة وسمعنا ما قاله ممثلوها عبر الصحف، وحتى قبل أن نسمع ما قاله نور الدين البحيري والصحبي عتيق قررنا وطبقا لما قالوه في الأوّل من أنهم لم يتصلوا بدعوة مكتوبة وبرغم أنّه ليس من تقاليدنا أن نبعث بدعوات مكتوبة، قررنا منذ نهاية الجلسة الفارطة بأن نراسلهم في ما يخص الاجتماعات المقبلة ، أما في ما يخص إعلانهم الانسحاب في الصحف فأعود مرة أخرى للقول بأنّ هذه المسألة تعود لمفهومنا للوفاق : ما هو هذا الوفاق الذي نتحدث عنه وهو الّذي تأسست عليه الهيئة وهو أن توفر الهيئة الأدوات القانونية اللازمة للانتقال الديمقراطي لأنّ روح الوفاق في تونس منذ 14 جانفي بعد حدوث الثورة هو أن نضمن انتقال الشعب التونسي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية عبر صيروة مقننة تجنبا للفوضى وللمآسي التي يمكن أن تُحدثها، وهم قد شاركوا في هذا الوفاق عندما شاركوا في وضع القانون الانتخابي وفي انتخابات نيابة الرئاسة وفي انتخابات الهيئة العليا للانتخابات، ليس هناك أي جديد لا على صلاحيات الهيئة ولا على مهامهم، الجديد هو فيهم أي في حركة النهضة ، وزعيمهم راشد الغنوشي قد صرّح بأنّ مهمّة الهيئة قد انتهت وهم يريدونها أن تنتهي، وهم إن اعتبروا أنفسهم أقلية داخل الهيئة، وأنا لا أرى ذلك مثلما فسرت، وحتى لا يبدو أنّ هذه الأقلية تطالب بحق الفيتو يجب أن تكون مقنعة ، أي يجب أن يقنع ممثلو النهضة أنّ قانون الأحزاب مضر للمجتمع وللانتقال الديمقراطي ولكن لأنّهم لا يملكون الحجج حول هذه النقطة نراهم يختارون الانسحاب وفي هذا أوّلا الاعتراف بأنّ الحجج القوية هي عند البقية وليست عندهم وثانيا في هذا قد فوّتوا على أنفسهم فرصة تفنيد ما يقال حول حزبهم وحول علاقته بالمال وبمآلات المال والقانون يطالب أو يفرض الشفافية حول هذه النقطة وحزب النهضة ما انفكّ يردّد بأنه مستعد للامتثال لقانون الشفافية فأين استعداده هذا ولماذا نراه يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول. لكن ممثلي النهضة قدموا أسبابا أخرى لانسحابهم حسب ما صرّح، من قبيل عدم حياد رئاسة الهيئة ووجود بعض الأعضاء من دعاة التطبيع وممّن لهم تشكيك في الهوية العربية الإسلامية وكذلك وجود عضو بالهيئة سبق لها أن كانت ضمن حملة ترشيح بن علي لسنة 2004؟ هذه ليست أسبابا بل هذه تعلات، السبب هو قانون الأحزاب بعد أن احتجوا ورفضوا قانون الأحزاب، ولنا في محاضر الجلسات ما يُثبت ذلك، فالقول بأنّ رئاسة الجلسة ليست محايدة غير صحيح والبينة على من ادعى: أين يروننا منحازون؟، لقد ذكرتُ من طرف البحيري وعتيق على أنّني لم أتدخّل لأوقف الشجار الذي وقع يوم الإربعاء الفارط بينهم وبين بعض الأطراف التي تنازعوا معها، أُوخذت عن ذلك ووقع تحميلي عدم الانحياز في حين أنّني كنت غائبة عن هذه الجلسة، ولم أكن حاضرة بتاتا لم أحضر خلال انسحابهم من الجلسة بل بعد أن تمّ وقد قابلتهم في البهو أي خارج قاعة الاجتماعات. وبخصوص، التطبيع، أنا ضد التطبيع، وأنا مع الشعب الفلسطيني، ونحن لا نُحاكم الناس ولا نتحمل مسؤوليات مواقف الأفراد، نحن نتّخذ مواقف وموقفنا كهيئة هو ضدّ التطبيع وهذا سيكون بندا من بنود العقد الجمهوري ، نقطة أخيرة ، سي نور الدين البحيرى سمح لنفسه بعدم احترامنا والسقوط في نوع من الفضاضة في اللغة والغلظة وهو ينسى بسرعة بأنّ من يتوجّه لهم هم بشر لهم شعور ولهم قيم ولهم شخصية ومسار نضالي وإن يختلف معهم وهو مطالب باحترام الناس وأنا أستغرب ما توجه به البحيري إلى النساء الديمقراطيات والى كل التقدميين وأنصار الحداثة وما يفعله هو نوع من الغرور ونوع من الوهم عبّر عنه أحدهم «السيّد عتيق» بأنّهم يمثلون الأغلبية الشعبية وهو عدم احترام يوجه للشعب التونسي الذي حسب علمنا لم يعبّر بعد عن اختياراته ، فالانتظار هو نوع آخر من الاحترام الذي على حزب النهضة الالتزام به. ختاما، هل أنتم متفائلون بمستقبل عمل الهيئة ناهيك وأنّ أطرافا أخرى منها الحزب الديمقراطي التقدمي قد عبرت هي الأخرى عن انتقادات ومآخذ حول المهام الحالية للهيئة وخاصة في ما يتعلق بقوانين الأحزاب والجمعيات والصحافة إذ أكّد أحمد نجيب الشابي عن رفضه نظر الهيئة في تلك القوانين معتبرا أنّ ذلك من مهمّة المجلس التأسيسي ؟ القضية ليست تفاؤلا أو تشاؤما، نحن نُدير تناقضات ونتمنى لأنفسنا النجاح ولكن تعجبتُ لمواقف الشابي الذي يطرح سؤالا يذكرنا بمقولة العقيد القذافي «من أنتم؟» (وكأنّنا نحنُ جرذان)، فهذه الهيئة هي التي ستضعُ له قانون الأحزاب الّذي هو في استعداد لتوظيفه والدخول به للانتخابات، وأعضاء الحزب الديمقراطي التقدمي في الهيئة كان لهم سلوك مختلف عن سلوك أعضاء حزب النهضة ، هم عبروا عن اختلافهم ورفضهم ولكن شعرنا منهم التزاما ووعيهم بأهمية الوفاق والدليل على ذلك أنّ اختلافهم لم يدعوهم إلى الخروج أو الانشقاق