رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    عاجل : تعيين مديرين عامّين جديدين بوزارة الصّناعة والطّاقة والمناجم    صفاقس: رصد 3 حالات سيدا لدى افريقيين جنوب الصحراء    سمير ماجول : '' إننا إذ نسجل بارتياح تحسن المؤشرات وعودة الإقبال على الوجهة التونسية ''    بنزرت: الاحتفاظ ب23 شخصا في قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ    عاجل/ الاحتفاظ بطبيب بهذا المستشفى وإحالته على القضاء من أجل شبهة الارتشاء    بركان ينفت الذهب.. ما القصة؟    موجة حر شديدة في هذه المنطقة.. والسلطات تتدخل    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    بطولة كرة السلة: النتائج الكاملة لمواجهات الجولة الأخيرة من مرحلة البلاي أوف والترتيب    يُروّج للمثليّة الجنسية: سحب كتيّب من معرض الكتاب بتونس    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها على البلجيكية غريت    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    هام/ الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة بداية من الغد    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    عاجل/ الاحتفاظ بأحد الاطراف الرئيسية الضالعة في احداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    اللجنة الجهوية لمتابعة تطوير نظم العمل بميناء رادس تنظر في مزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم مراسم اختفائها: هل حقّقت الهيئة أهداف الثورة؟
نشر في الشروق يوم 13 - 10 - 2011


تونس الشروق كتبت فاطمة بن عبد الله الكرّاي
لأن الشعب التونسي حسم الموقف يوم 14 جانفي، وقال كلمته الفصل بعد طول عناء وصمت، فإن كل ما سيطبع المشهد السياسي بالبلاد بعد ثورة 14 جانفي، سوف يكون بالضرورة تحت مجهر الثائرين، الذين عصفوا دون رجعة بمنظومة كاملة، حكمت البلاد وأرّقت العباد منذ خروج الجندي الفرنسي المستعمر من بلادنا منتصف خمسينات القرن الماضي.
بعد فرار الرئيس السابق، يوم الرابع عشر من جانفي الفارط، طبّق الباقون من مكوّنات النظام، الفصل 56 من الدستور ثم الفصل 57 منه، فكانت الحكومة بقيادة السيد محمد الغنوشي، قد اتّجهت نحو لف الثورة باصلاحات منظوماتية، من قبيل تطعيم الحكومة التجمعية بزعامات معارضة لنظام بن علي، اضافة الى تعيين شخصيات على رأس كل لجنة، وكل لجنة تُعنى بملف..
لجنة الإصلاح السياسي، تحمّل أعباءها السيد عياض بن عاشور..
بالتوازي، كان المجهر مسلّطا من الأحزاب التي بدأت تأشيراتها تتواتر، لتخرج الأحزاب تباعا من العالم السفلي والسري إلى العالم العلوي العلني..
لم تهدأ تونس الشعب، ولم تدع الاعتصامات والاحتجاجات، الأطروحات الاصلاحية أو الترقيعية تمرّ.
تجمّعت القوى النقابية والتقدمية، في جبهة أطلق عليها: «جبهة 14 جانفي»، فخلقت قوة سياسية مضادة، أو لنقل موازية للحكومة التي ترأسها السيد محمد الغنوشي.. بالتوازي، شهدت تونس تحركات شخصيات وطنية، ناصبها بن علي العداء، وفرض عليها مشاركة أو اسهاما في الحياة السياسية..
ما العمل؟
كان هذا السؤال المركزي يوم 16 جانفي 2011، عندما بدأت المطارحات تخرج للعلن، وتبثّ عبر شاشات التلفزيون، وكان السؤال المحوري يتعلّق بحسم الأمر بين مقترحين: إما إصلاح الدستور المعمول به، دستور 1959، والذي لم تبق التنقيحات فيه ولم تذر، من عهد بورقيبة إلى بن علي، أو تعليق العمل بالدستور، والتنادي بمجلس وطني تأسيسي، يحقّق أهداف وشعارات الثورة..
بالتوازي أيضا مع مظاهر ومكونات هذا المشهد، يحصل أن يبدأ الشارع التونسي من بنزرت إلى بن قردان، في حركة احتجاجية، اتخذ لها ساحة القصبة بالعاصمة، مكانا... المطلب الأوكد، وقتها، تمثل في تخليص الحكومة من بقايا التجمع... عندها تم الاعلان من الجهة الأخرى، عن مجلس لحماية الثورة...
ذلك أن الشعب بكل مكوناته، أحس أن الثورة في خطر، وان امكانيات الالتفاف عليها واردة، سواء من الداخل أو من الخارج، أو بالتوافق بين الداخل والخارج...
مع ناقوس الخطر الجدي، صدرت الفكرة، وللتاريخ، عن السيد أحمد بن صالح ثم السيد أحمد المستيري والسيد مصطفى الفيلالي...
هذه الأسماء، لم ترد صدفة، بل هي المكون لثالوث شيوخ «المجلس القومي التأسيسي» لسنة 1956... فكان ثلاثتهم، على دراية أكثر من غيرهم، بما يمكن ان يحققه مجلس لحماية أهداف الثورة...
من جهتها كانت جبهة 14 جانفي، التي تضم أحزابا تقدمية، لم تتعود العمل العلني، قد دخلت في نشاط رتيب من حيث عدم تجديد البيانات أو تحيينها... فكانت كما وصفها أحد المناضلين، الذين نشطوا داخلها، بأنها «آلة بطيئة»... «une machine lente»
حققت القصبة واحد I، هدفها المعلن، فتخلصت حكومة الغنوشي من الوزراء التجمعيين وفي اللحظة التي استجاب فيها المعتصمون بالقصبة، الذين توافدوا من كل بقاع الجمهورية، الى نداء حل الاعتصام وتحديدا في اللحظات التي بدأت فيها الحافلات التي خصصها الاتحاد العام التونسي للشغل، الشريك الأساسي لفعاليات الثورة وما بعد الثورة، اختار جهاز البوليس، ان لا يكون الانسحاب هادئا... فكانت مظاهر العنف الأمني قد أصابت الاعتصام في مقتل، فعوّض التشنج سمة التعقل... وذلك حتى لا يجازى المعتصمون، كما ذكر ل«الشروق» أحد المعتصمين المداومين بالقصبة...
الشعب يريد «المجلس التأسيسي» هكذا بدا شعار القصبة II، اضافة الى «الشعب يريد اسقاط الدستور»... هكذا بدت الشعارات.. التي منع المعتصمون من خلالها هذه المرة حكومة الغنوشي من مباشرة مهامها بالقصبة... فكانت الاجتماعات الحكومية بقصر قرطاج في حين تمسك المعتصمون بساحة الحكومة الى غاية يوم 25 فيفري، عندما غادر الغنوشي الوزارة وجاء الباجي قائد السبسي ومن ورائه صوت الرئيس المؤقت يقول قبل ان يعينه بالاسم: «قررنا الاستجابة لمطالب الشعب»: تعليق العمل بالدستور... الاعلان عن احداث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي، التي تنتهي مهامها اليوم...
تنهي مهامها اليوم، هذه الهيئة التي تطلعون عبر هذا الملف على تفاصيل اعلانها... وتفاصيل نشاطها... وتفاصيل من والاها ومن عاداها...
هذا الملف الذي تقدمه لكم «الشروق» تماهيا مع الحدث وعبر أشكال صحفية مختلفة يقدّم لكم الهيئة التي بدأت بالأمس... وتنتهي اليوم بعد نشاط ثمانية شهور...
الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي: هل حققت هيئة بن عاشور أهداف الثورة؟
على مدى ثمانية أشهر عاشت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي بعثت الى الوجود في منتصف فيفري 2011 مخاضا عسيرا لتجسيم مبادئ الثورة واستطاعت رغم الصراعات والانسحابات والاستقالات انجاز مهمتها.
ناجي الزعيري
تونس «الشروق»
تزامن انبعاث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة مع اندلاع هجمة انتقادية شرسة حول تركيبتها الضيقة فقد جاءت على أنقاض مجلس حماية الثورة أو ربما لسحب البساط من تحت أقدام المؤسسين لهذا المجلس.
وتحت ضغط الانتقادات الواسعة التي كانت أعمدة الصحف مسرحا لها، اضطرت الحكومة لتوسيع تركيبة الهيئة لتشمل تمثيلا أوسع للأحزاب والمنظمات وعائلات الشهداء الابرار والجهات وتيارات المستقلين ليبدأ الصراع على أشده والتجاذبات السياسية والايديولوجية.
الميلاد العسير
ولدت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي يوم 18 فيفري 2011 أي بعد حوالي شهر و4 أيام على ثورة 14 جانفي لتتعهد حسب مرسوم الميلاد ب«السهر على دراسة النصوص التشريعية ذات العلاقة بالتنظيم السياسي واقتراح الاصلاحات الكفيلة بتجسيم أهداف الثورة بخصوص المسار الديمقراطي».
وانطلقت أولى جلسات الهيئة العليا في منتصف شهر مارس، بتركيبة اقتصرت على حوالي 60 عضوا في البداية، وسط موجة من الانتقادات اللاذعة حول تركيبتها التي اعتبرتها بعض الاحزاب والقوى السياسية «مفاجئة» ولم تكن محل مشاورات ووفاق، فجبهة 14 جانفي اعتبرت التركيبة المفاجئة للهيئة التفافا على الثورة فيما أكدت حركة النهضة أن استبعاد بعض الاحزاب السياسية من التركيبة محاولة للسطو على الهيئة من خلال تعويمها ببعض الشخصيات الوطنية.
وخرج الاستاذ عياض بن عاشور الرئيس المعين للهيئة العليا من صمت لم يدم طويلا ليقول للمنتقدين أن تركيبة الهيئة تبقى مفتوحة لمن يرغب في ذلك شريطة عدم تجاوز الحد المعقول حتى لا تتحول الى ما يشبه «البرلمان».
من يحمي الثورة؟
من حماية الثورة الى تحقيق أهداف الثورة ومن تحقيق أهداف الثورة الى السؤال عمن سيحقق هذه الأهداف وبأي وسائل؟
بهذا السؤال وبالصخب وبانسحابات كثيرة بعد توسيع التركيبة انطلقت أعمال الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، وتعالت أصوات أبناء الثورة القادمين من جهات سيدي بوزيد والقصرين وقفصة والقيروان يتهمون الهيئة بتحجيم بعض الأحزاب والجمعيات والهيئات وتغييب عائلات الشهداء والتقت جميع أصوات المنتقدين حول اتهام الهيئة بأنها ستطلق يد الحكومة وتمنحها حرية التصرف دون حسيب أو رقيب داعين الى الكشف عن صدق النوايا في الانتقال من الدولة الدكتاتورية الى دولة الحق والقانون.
وأمام الانتقادات الصاخبة خضعت الحكومة المؤقتة لمطالب الاحزاب والجمعيات وأبناء الثورة في الجهات فقررت توسيع تركيبة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة لتشمل أكبر عدد ممكن من الاحزاب والجمعيات والمنظمات والشخصيات الوطنية وأبناء الثورة وعائلات الشهداء الذين أطاحوا بالدكتاتورية وصنعوا ربيع تونس.
جدل حول الفصل 15
وانتقلت الهيئة بتركيبتها الموسعة من مقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي الى مجلس المستشارين لتبدأ عمليا في التأسيس لأرضية قانونية جديدة غير الأرضية التي انبنت عليها الدولة المستبدة وانطلقت النقاشات حول صياغة المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي بعد ادخال التعديلات اللازمة على مضامين الفصول 15 و16 و32 من المشروع التي بقيت محل نقاش بين مختلف الأطراف الى آخر لحظة.
واستأثر الفصل 15 من هذا المشروع بنقاش مستفيض حيث تباينت الآراء بين متمسك باقصاء كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة أو هياكل الحزب المنحل خلال السنوات العشر الأخيرة وبين مطالب بأن ينسحب المنع على من تحملوا المسؤولية خلال السنوات ال23 المنقضية، وآلت الكفة في النهاية لصالح الرأي الأول داخل الهيئة.
وزاد تصاعد النقاش حول الفصل 15 من المشروع في تصادم الأطراف السياسية داخل الهيئة وخارجها لترجح الكفة في النهاية لصالح منطق الثورة التونسية باقصاء كل المورطين في مناشدة الرئيس المخلوع لانتخابات 2014 من حق الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي وكان من الطبيعي ان يحظى هذا «المنطق» الذي يستمد شرعيته من الدماء الزكية لأبناء الثورة ومن واجهوا زخات الرصاص وتحملوا السجون والمنافي والقمع المزمن، بالموافقة الجماعية لكنس من هللوا للدكتاتور الهارب وكان أن علت أصوات أعضاء الهيئة «ارحل ارحل يا تجمع».
وكانت مطالب ممثلي أحزاب اليسار والاسلاميين والتقدميين والقوميين والحقوقيين وراء اقرار مبدإ المناصفة بين النساء والرجال في القائمات المترشحة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
تجاذبات
غير أن المسحة التي هيمنت على اجتماعات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة تمثلت في التجاذبات بين ممثلي الاحزاب السياسية وممثلي الجهات والمنظمات الوطنية والشخصيات المستقلة وبلغت النقاشات ذروتها الى حد الانسحاب والاستقالة من عضوية الهيئة احتجاجا على ما أسماه بعض أعضائها بمحاولات «الالتفاف على الثورة» وتمرير مقترحات مشبوهة قد تقوض بناء مسار ديمقراطي حقيقي.
وكانت جلسات الهيئة المخصصة لمناقشة مشروع المرسوم المتعلق بتنظيم الاحزاب السياسية، فاصلة مهمة في حياة هذا الهيكل فقد كادت الاحتجاجات والاستقالات تعصف بها الى غير رجعة.
احتجت حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمي وبعض المستقلين وممثلي الجهات على ما أسموه «اخلالات كبرى في عمل الهيئة وحيادها عن الأهداف التي أحدثت من أجلها».
ووجهت اتهامات الى بعض الأطراف السياسية داخل الهيئة بمحاولة «مساندة مبدإ التطبيع مع اسرائيل» وتمسكت أحزاب سياسية بضرورة التنصيص على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
كما شكلت مسألة مصادر تمويل الاحزاب قادحا لغضب الكثير من الاطراف السياسية وتباين المواقف الذي بلغ حدود التشنج فقد اتهمت بعض الأحزاب باستغلال المال السياسي وتتالت الردود على هذه الاتهامات على أعمدة الصحف ومنابر الاذاعة والتلفزيون.
انسحابات وشروخ
وكان بيان حركة النهضة الصادر يوم 27 جوان الماضي شبيها بعصا موسى (عليه السلام) التي شقت البحر الى نصفين فقد أعلنت الحركة عن انسحابها من الهيئة واتهمت بعض «الأطراف المهيمنة على تركيبة الهيئة ورئيسها» بالتنكر لروح الوفاق والتشاور وانتحال صفة «برلمان منتخب» وتعطيل البت في المسائل ذات الأولوية التي لها علاقة مباشرة بانتخابات المجلس التأسيسي ونعتت تركيبة الهيئة بالفئوية الضيقة وافتعال الصراعات والخلافات وتوتير الأجواء وطالبت بتحقيق الهدف الرئيسي للثورة باعادة الشرعية لمؤسسات الدولة على أساس الدستور الجديد والتخلي عن تقمص دور السلطة التشريعية.
وتتالت الاستقالات في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واتهم المستقيلون الهيئة بهيمنة الطابع الحزبي الاستقطابي على أعمالها واقصاء أصوات الشخصيات المستقلة ومصادرة آرائهم ومواقفهم.
وقد دعا الاستاذ أحميدة النيفر مؤسس حركة اليسار الاسلامي الحكومة الموقتة في في بيان أصدره بعد استقالته من الهيئة، الى اجراء استشارة شعبية وتشاور مع لجنة حكماء مستقلين «لاقرار خيار أنسب لمستقبل البلاد يقيها الوقوع من جديد في براثن دكتاتورية أطراف ترفض التعدد وتمقت الاختلاف وتستخف بمقتضيات الانتقال الديمقراطي السليم».
مصادقة على عدم اكتمال النصاب
وانهالت على هيئة تحقيق أهداف الثورة أو «هيئة بن عاشور» كما أصبح يطلق عليها لاحقا الانتقادات اللاذعة بأنها أصبحت في الأيام الأخير ةفي شهر أوت تمارس «وظيفة حصرية» لمن تبقى من أعضائها القليلين تحت سقف مجلس المستشارين تتمثل في تسريع نسق المصادقة على مراسيم القوانين المتعلقة بالصحافة والاعلام والطباعة والنشر وتكوين الجمعيات حتى صار التصويت في أسابيع الأخيرة لشهر سبتمبر الماضي داخل تركيبة لم تتجاوز بضع عشرات على أقصى تقدير.
وازدادت متاعب الهيئة يوم أعلن الاستاذ عبد الفتاح عمر رئيس لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة من أعلى منبر مجلس المستشارين أمام أعضاء الهيئة بأن «الشعب التونسي» ساهم من موقعه في تغلغل الرشوة بالبلاد وأن انتشار هذه الظاهرة هي مسؤولية مشتركة بين مختلف الأطراف» فقد غضب بعض الأعضاء وانسحبوا الى خارج القاعة احتجاجا على هذا التصريح وكانت المصادقة على مشروع المرسوم المتعلق بتنظيم الجمعيات سببا في اندلاع موجة من الاحتجاجات على ما أسموه «محاولة تمرير قوانين تخدم مصالح ضيقة بشكل غير قانوني وعدم احترام قاعدة النصاب في التصويت على القوانين» وتساءل بعض المستقلين من أعضاء الهيئة من خارجها عن سبب التسرع في التصويت على القوانين».
مساعي بن عاشور
لكن عياض بن عاشور أستاذ القانون كان في كل مرة يحاول رأب جانب من الصدع الذي كاد يعصف بالهيئة ويبذل المساعي الشخصية المعلنة وغير المعلنة للتخفيف من حدة الخلافات والتجاذبات والرد على الانتقادات وتراوحت مساعي بن عاشور بين محاولات اقناع المستقلين بالعودة الى مقاعد الهيئة بالتقريب بين وجهات النظر والمساعي الكوليسية غير المعلنة لانقاذ الهيئة من الفراغ المدوي الذي يمكن ان تسقط فيه فقد جمعته بأعضاء من حزب النهضة لقاءات غير معلنة لاقناع أبناء الحركة بالتراجع عن الاستقالة ومواصلة حضور الجلسات وكان بن عاشور يعلم جيدا ان هذه الحركة وبعض الشخصيات اليسارية والمستقلة التي غادرت الهيئة خلفت وراءها شروخا خطيرة في جدران هذا البيت والطعن في شرعيتها وفي شرعية ما صادقت عليه من مشاريع نصوص قانونية.
ويبدو أن محاولات عياض بن عاشور أتت أكلها واستطاعت هيئة تحقيق أهداف الثورة الحفاظ على بعض تماسكها وتوازنها رغم تناقص عدد أعضائها، وشكلت الاجتماعات التي أدرك عددها 55 اجتماعا، فضاء لممارسة الديمقراطية وحق الاختلاف واحترام الرأي المخالف رغم بعض التصدعات التي خلفتها الاستقالات والانسحابات وتعليق أحزاب وجمعيات لعضويتها كجمعية القضاة وحزب النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب الاصلاح والتنمية.
مالها وما عليها
لكن هل يجوز أن نبني بعض الاحكام على الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة انطلاقا مما سادها من انقسامات وصراعات وانسحابات واستقالات وانتقادات؟
لا يمكن الجزم بنجاح الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أو بفشلها فهو أمر موكول الى المجلس الوطني التأسيسي القادم غير أن ما يحسب لهذه الهيئة أنها استطاعت رغم مسلسل الاختلافات والانتقادات، التي استند الكثير منها الى منطق داخلي مشروع» ان تشكل فضاء لصياغة القانون الانتخابي للمجلس التأسيسي وتركيز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تعكف على تنظيم أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في تاريخ تونس السياسي ورسم الخطوات الأولى لمسار ديمقراطي انتقالي سيفسح المجال لشرعية حقيقية يعيد الشعب على أساسها تأسيس دولة عادلة ديمقراطية والقطع نهائيا مع دولة الاستبداد.
تركيبة الهيئة
انطلقت هيئة تحقيق أهداف الثورة بتشكيلة تضم 71 مقعدا قبل أن تتوسع إلى 130 وقبل أن تصبح في 5 أفريل 2011 تحتوي على 155 عضوا.
المراسيم التي صادقت عليها الهيئة العليا
مشروع المرسوم الانتخابي للمجلس التأسيسي.
مشروع مرسوم يتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية.
مشروع مرسوم يتعلق بتنظيم الجمعيات.
تقرير اللجنة المكلفة بتطبيق الفصل 15 الذي حسم في مسألة إقصاء من تحمّلوا مسؤوليات في حكومة الرئيس المخلوع وهياكل التجمع المتحلّ.
مشروع مرسوم يتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري.
مشروع مجلة الصحافة والطباعة والنشر.
العهد الجمهوري.
مرسوم إحداث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي 18 فيفري 2011
بعد الاطلاع على الفصلين 28 و57 من الدستور، وعلى القانون الأساسي عدد 48 لسنة 2004 المؤرخ في 14 جوان 2004 المتعلق بتنظيم عمل مجلس النواب ومجلس المستشارين وعلاقتهما ببعضهما كما تم إتمامه بالقانون الأساسي عدد 32 لسنة 2006 المؤرخ في 22 ماي 2006 وخاصة الفصل 32 منه، وعلى مجلة المحاسبة العمومية الصادرة بمقتضى القانون عدد 81 لسنة 1973 المؤرخ في 31 ديسمبر 1973 كما تم تنقيحها وإتمامها بالنصوص اللاحقة، وعلى القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الجمهورية المؤقت في اتخاذ مراسيم طبقا للفصل 28 من الدستور،
وعلى الأمر عدد 400 لسنة 1969 المؤرخ في 7 نوفمبر 1969 المتعلق بإحداث وزارة أولى وضبط وظائف الوزير الأول.
يصدر المرسوم الآتي نصه :
الفصل الأول تحدث هيئة عمومية مستقلة تدعى «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي».
الفصل 2 تتعهد الهيئة بالسهر على دراسة النصوص التشريعية ذات العلاقة بالتنظيم السياسي واقتراح الإصلاحات الكفيلة بتجسيم أهداف الثورة بخصوص المسار الديمقراطي، ولها إبداء الرأي بالتنسيق مع الوزير الأول حول نشاط الحكومة.
الفصل 3 تتكون الهيئة من :
رئيس يتم تعيينه بأمر من بين الشخصيات الوطنية المستقلة المشهود لها بالكفاءة في الميدان القانوني والسياسي،
نائب رئيس يتم تعيينه من الشخصيات السياسية ومكونات المجتمع المدني المشاركة في الهيئة باقتراح منها،
مجلس متكون من شخصيات سياسية وطنية وممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية والهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني المعنية بالشأن الوطني في العاصمة والجهات ممن شاركوا في الثورة وساندوها يتم تعيينهم بقرار من الوزير الأول باقتراح من الهياكل المعنية، وتتولى ضبط التوجهات الكفيلة بملاءمة التشاريع المتصلة بالحياة السياسية بما يتوافق مع متطلبات تحقيق الانتقال الديمقراطي ولها اتخاذ ما تراه من اقتراحات لضمان استمرارية المرفق العمومي وتجسيم أهداف الثورة ومطالبها،
لجنة خبراء متكونة من أخصائيين يعينهم رئيس الهيئة لا يقل عددهم عن العشرة، تتولى صياغة مشاريع القوانين وفق التوجهات التي يتم ضبطها من قبل الهيئة، وتعرض مشاريع القوانين المعدة من طرف اللجنة على الهيئة للمصادقة عليها قبل رفعها إلى رئيس الجمهورية،
مقرر عام، يدوّن أعمال الهيئة في محاضر جلسات يعين بناء على اقتراح من الهيئة.
ناطق رسمي باسم الهيئة تختاره هذه الأخيرة من بين أعضائها لمدة محددة لضمان التداول.
الفصل 4 يسهر رئيس الهيئة على حسن سير أعمالها ويدير جلساتها ويتولى حفظ وثائقها ويمثلها لدى الغير. ويمكن له تفويض كامل صلاحياته أو بعضها لنائبه أو لأحد أعضاء الهيئة.
الفصل 5 تتخذ الهيئة قراراتها بالتوافق وإن تعذر بالأغلبية ويكون صوت الرئيس مرجحا عند تساوي الأصوات، ويحضر أعضاء لجنة الخبراء أشغال الهيئة وليس لهم حق التصويت. وتخصص جلسة دورية للمتابعة وتضمن ملاحظات الهيئة بمناسبة هذه الجلسات وقراراتها صلب تقرير يرفع إلى رئيس الجمهورية وإلى الوزير الأول.
الفصل 6 يمكن عند الاقتضاء لرئيس الهيئة بعد استشارتها إحداث لجان مختصة في مواضيع معينة تندرج ضمن مشمولاتها.
الفصل 7 تجتمع الهيئة بدعوة من رئيسها أو من ثلثي أعضائها وتكون مداولاتها سرية. ولا تكون جلساتها شرعية إلا متى توفر النصاب بحضور أكثر من نصف أعضائها.
الفصل 8 تحمل المصاريف المتعلقة بأعمال الهيئة بما في ذلك مصاريف تنقل وإقامة أعضائها على ميزانية الوزارة الأولى.
الفصل 9 يرفع رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي لرئيس الجمهورية وللوزير الأول آرائها واقتراحاتها وتقريرا حول أشغالها وما أنجزته ضمن مشمولاتها وتسهر الهيئة بالتنسيق مع الوزير الأول على متابعة تنفيذ ما اقترحته لتجسيم أهداف الثورة ولضمان حسن سير المرفق العام وتحقيق الانتقال الديمقراطي.
الفصل 10 الوزير الأول مكلف بتنفيذ هذا المرسوم الذي ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويجري العمل به ابتداء من 18 فيفري 2011.
تونس في 18 فيفري 2011
عياض بن عاشور في حوار شامل ل«الشروق»: ... تجربة ديمقراطية فريدة
في هذا الحوار الذي خص به «الشروق» يتحدث بن عاشور عن تجربة يعتبرها فريدة من نوعها سباقة للحرية والديمقراطية ويعتبر ان الهيئة قامت بما هو مطلوب منها وأساسا الوصول الى محطة انتخاب المجلس التأسيسي.
حاورته فاطمة بن عبد الله الكراي
تونس الشروق :
لمدة ثمانية أشهر كانت أشغال الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي تمثل «الطبق الرئيسي» عبر كافة نشرات ومتابعات وسائل الاعلام الوطنية والخارجية المهتمة منها بالمشهد السياسي في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي 2011.
اليوم، تقام احتفالية «الوداع»... الهيئة تنتهي مهامها، والمشعل الذي أوقد من داخلها، برحاب مجلس المستشارين بباردو، تتلقّفه مؤسسة منتخبة.. بل سيتم انتخابها يوم 23 أكتوبر الجاري، ونقصد المجلس الوطني التأسيسي...
وقود الحملة الانتخابية والهيئة العليا للانتخابات وما لفها وأحاط بها من مراسيم تنظم المشهد السياسي، قبيل اعلان الدستور واجتماع المجلس المنتخب كلها قُدّت بنقاشات وفعل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة... يقول رئيسها الاستاذ عياض بن عاشور...
اليوم يحق لنا أن نسأل، وقد فعلنا عبر هذه الأسطر التالية عن التجربة.. وما هي الأشياء التي تمنى بن عاشور من موقعه أن تنجز ولم تٍنجز داخل الهيئة... ثم ما هي الخيبات والايجابيات في هكذا تجربة... ومن حاول عرقلة عمل الهيئة وكيف حصل التصدع...
كل هذه الأسئلة وغيرها يختزل أ. بن عاشور الاجابة عنها بأمرين اثنين: كشف الانتقادات والسلبيات والدعوة الى تجاوزها... والوقوف على الايجابيات...
في هذا الحوار الذي خص به «الشروق» مشكورا يتحدث بن عاشور عن تجربة فريدة كما يصفها داخل الهيئة، ويقول ان هذه التجربة هي السبّاقة في الحرية والديمقراطية في تونس الحرة الثائرة..
السؤال الاول كان كالآتي:
تنتهي اليوم مهام الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي.. لمدة ثمانية أشهر، قاد الاستاذ عياض بن عاشور نقاشات وأدار مطارحات وتعرضت الهيئة لاستحسان وانتقادات.. كيف ترى أداء الهيئة طوال هذه الفترة، بين ما تراه ايجابيا وما تعتقد انه سلبي او ناقص في أدائها؟
بالنسبة لأداء الهيئة، يمكن القول انه أداء ايجابي في مجمله... بل هو ايجابي جدا في ما يخص بعض ما أنتجته... فما نعيشه اليوم، من مسار انتخابي ونشاط الهيئة العليا للانتخابات والحملة الانتخابية يعد نتاجا لهذه الهيئة. الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي كانت الاطار الذي قدّم كل هذه التعبيرات.
اليوم، يستهلك المشهد السياسي التونسي كل ما أنتجته الهيئة.. وهنا أشير الى المراسيم حول الانتخابات والأحزاب وتنظيم الحملة الانتخابية من قبل الهيئة العليا للانتخابات.. هذا اضافة الى مبادرات قام بها رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، خارج الهيئة وبصفة شخصية من اجل الانتقال الديمقراطي في ظروف طيبة..
وهنا يضيف الاستاذ عياض بن عاشور في عملية استعراض لانجازات الهيئة بلهجة فيها اعتزاز ليذكّر ب«اعلان المسار الانتقالي» الذي أمضى عليه متفقا مع نصه، احدى عشر (11) حزبا... «والذي يؤمّن لنا المسار والتوافق من هنا الى تاريخ صدور الدستور» يقول بن عاشور.
ولكن تخللت أشغالكم ونشاطكم كهيئة عديد الملاحظات السلبية، ملاحظات فيها نقد من خارج الهيئة تارة ومن داخلها طورا؟
نعم، توصلنا الى كل ما توصلنا اليه رغم الصعوبات الداخلية، ورغم الانتقادات الخارجية.. الهيئة باعتقادي قامت بما هو مطلوب منها... وما نعيشه اليوم في تونس كما ذكرت آنفا، ليس سوى تحقيق لأهداف وجودها...
نعلم جيدا، وهنا نذكّر السادة القراء بأن الهيئة التي ترأسها منذ ثمانية أشهر، استمدت تسميتها الأساسية من شعار أطلقته القصبة I والقصبة II، وهو تحقيق أهداف الثورة، فهل تعتقد ان الهيئة العليا، التي تنتهي مهامها رسميا يوم الخميس (اليوم) قد حققت أهداف ثورة 14 جانفي 2011؟
الهيئة، ليست وحدها المسؤولة عن تحقيق أهداف الثورة، بل هناك عدة أطراف لعل أهمها الحكومة الانتقالية.. ثم المجلس التأسيسي الذي سيُنتخب يوم 23 أكتوبر.. ثم السلط الجديدة التي ستنبثق عن هذا الاستحقاق.. وهي سلط قارة منها الدستور الجديد... كل هذه المؤسسات مكلفة بتحقيق أهداف الثورة... وهي أهداف ليست موكولة الى الهيئة بعينها.. فعنوان الهيئة وتسميتها لا يجب ان تجعلنا نخطئ او نغلط... حيث لا يجب ان ننسى ان الهيئة ليست الطرف الوحيد في تونس الموكول له تحقيق اهداف الثورة...
ولكن الهيئة حققت أهم ما نعتت به في التسمية، على اعتبار ان محطة المجلس التأسيسي ليست أمرا هينا او سهل التحقيق... وها نحن نراه يتحقق.. ذلك ان الهدف الاسمى لم يكن يغيب لحظة عن الهيئة: الوصول الى مجلس وطني تأسيسي واستصدار دستور جديد للبلاد...
ومن موقعي أقول إن الانسان عليه ان يقاوم بما عنده من امكانيات، فنحن في سباق مع الزمن...
ما أتيح لنا في ثمانية أشهر لم يكن ليؤمّن نجاح المسار لولا ان كل المعنيين بإنجاح هذا الاستحقاق عمل كل منهم بما له من طاقة وجهد ووقت... والذي أعطته «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي» للبلاد، في الوقت المعلوم، وبالطاقة البشرية المعروفة ايضا، ما كان ليحدث في ظروف أخرى... وبغير تلك الطاقات من داخل ومن خارج الهيئة أيضا...
نعم، قدّمت الهيئة التي ترأسها منذ ثمانية أشهر ما قدّمت، ولكن في «حمّى» السباق الذي رأينا فيه مشاريع دساتير، لم نر مشروعا، أقول مقترحا لمشروع دستور تقدّمه الهيئة، لماذا؟
سيد عياض، ينعت السؤال بالوجيه ويقول: «لا يمكن للهيئة ان تقدّم مشروع دستور... فعندها لابد من التساؤل: وماذا سيفعل المجلس التأسيس اذن؟ أنا أذكّرك أنه عندما ناقشنا قانون الأحزاب والجمعيات صلب الهيئة وقانون الاتصال السمعي البصري وقانون الصحافة، وجّهت لنا انتقادات لاذعة بتعلة ان الهيئة «تتطاول» على اختصاصات وسلطات المجلس التأسيسي... فأطنبوا في ذلك النقد... وقال (المنتقدون) : كيف لهيئة غير شرعية ان تأخذ مكان المجلس التأسيسي..؟ ففكّري، لو قدّمت الهيئة مشروع دستور لارتفعت الكثير من الأصوات والانتقادات التي تعيب على الهيئة، ليس تطاولها فقط (على المجلس التأسيسي) بل سيتهمونها بأنها حلّت بعدُ، محل المجلس التأسيسي... وأنها نالت من مرماه ومن عمله ومن أهداف وجوده أصلا... لم يكن ممكنا هذا الأمر، تقديم مشروع دستور، رغم تعدد المقترحات في هذا الشأن من هنا وهناك... هذه نصف الاجابة على سؤالك، النصف الآخر منها، يقول: لا يجب أن ننسى جميعا أن الهيئة لديها لجنة خبراء كانت هي الأداة الفاعلة في تحريك عمل الهيئة.. والآن وقد أصبحت بلا التزام مع الهيئة التي تنتهي مهامها رسميا (ال)يوم الخميس، فإن لجنة الخبراء هذه يمكن ان تتحول من لجنة على ذمة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة الى لجنة على ذمة المجلس الوطني التأسيسي... أقول «يمكن» لأن المجلس سيد نفسه...
كيف ترى تعاملا ممكنا بين اللجنة والمجلس الوطني التأسيسي، هل توضح لنا مهام لها ممكنة؟
باعتقادي بإمكان لجنة الخبراء هذه والتي أصبحت تتمتع بسمعة طيبة داخل وخارج الهيئة أن تقدّم عدة مشاريع للمجلس الوطني التأسيسي... بل يمكن ان تتحول الى لجنة خبراء في المجلس الوطني التأسيسي.
من المشاريع لدى هذه اللجنة:
نظام داخلي للمجلس الوطني التأسيسي.. وهذا من شأنه ان يجعل المجلس يربح الوقت عوض اضاعة جلها في النقاش حول آليات النظام الداخلي.
الدستور الصغير الذي سيعيّن على أساسه رئيس الجمهورية والحكومة وصلاحيات كل منهما خلال الفترة التي يكتب فيها نص الدستور... هذا دستور صغير وبامكان لجنة الخبراء أن تعدّه وتقدمه... وإذا أراد المجلس التأسيسي أن تبقي هذه اللجنة... فهي على استعداد...
لذلك أقول، إنّ الهيئة لا يمكن أن تقدم أي مشروع قانون أو دستور، لكن هيئة الخبراء يمكن أن تصبح على الذمّة... ذمة المجلس الوطني التأسيسي...فالارادة الشعبية هي التي ستفرز المجلس الوطني التأسيسي وسيكون عملا جماعيا ومنبثقا عن هيئة منتخبة.
ساعات تفصلنا عن حفل الاستقبال الذي يعلن انتهاء مهام الهيئة (مساء اليوم) والأكيد أن هناك أشياء في البال تبقى للذكرى، فيها الحلو الايجابي، وفيها المرّ السلبي... فهل يكشف لنا الأستاذ عياض بن عاشور هذه المعادلة انطلاقا من ذاته وما أحس به وما يحمله ضمن مشاعره عن هذه التجربة؟
الأشياء الايجابية جدا، تتمثل في الروح التحرّرية التي أنجزناها وعشناها كتونسيين في هذه البلاد، فلأول مرة نعيش في تونس عبر مؤسسة للدولة، إذ لا تنسي أن الهيئة العليا هي هيكل رسمي من دواليب الدولة. لأول مرة إذن نعيش مثل هذه التجربة، التي تميزت بالنقاشات الحرة والعلنية... والتصويت لتعيين اللجان داخل الهيئة كان تصويتا حرّا... الذي سيبقى في ذهننا أننا كنا الرواد في التجربة الديمقراطية في هذه البلاد... نحن في الهيئة وفي هذا المجال بالذات، سبقنا المجلس التأسيسي والبرلمان القادم... الهيئة هي أول فضاء جماعي حرّ ديمقراطي تسوده روح الصداقة والوطنية رغم المشاجرات والنقاشات الحادة... إلاّ أننا سننساها جميعا وستزول مظاهر الاحتقان وتبقى في البال، تلك الروح النضالية والمشادات الايجابية.
هل هناك مهام أو أهداف لم يسعفكم الوقت داخل الهيئة، لاتمامها أو إنجازها؟
أقول إنه مرة أخرى غلبنا الوقت... عملنا كان فيه القليل من عدم الانضباط.. لم نجد الوقت لتحضير نظام داخلي للهيئة مثلا...كانت معجزة، أن وصلنا الى ما وصلنا إليه بدون نظام داخلي... أضعنا قليلا من الوقت جرّاء قلة التنظيم... والتلقائية في العمل.
من هو عياض بن عاشور؟
ولد الاستاذ عياض بن عاشور في غرة جوان 1945 وهو رجل قانون متخصص في النظريات السياسية الاسلامية والقانون العام، وهو نجل العالم محمد الفاضل بن عاشور وتقلد منصب عميد لكلية العلوم القانونية بتونس واستقال من عضوية المجلس الدستوري سنة 1992 وكان من معارضي النظام السابق بسبب مواقفه من سياسة بن علي خصوصا التعديلات المدخلة على الدستور سنة 2002، تم تعيينه بعد الثورة رئيسا للجنة الاصلاح السياسي ثم رئيسا للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.