عندما خرج مئات الشبّان ممّن ضاقت بهم سبل العيش وأتعبتهم سنوات البطالة المرّة منادين بالكرامة والحرية في المتلوي وسيدي بوزيد والرديف والقصرين ودوز وغيرها من مدن الشمال والجنوب والوسط والسّاحل لم يكن أحد منهم يتصوّر أن تلك الحناجر المنادية بالحرية ستتمكّن من كتابة صفحة جديدة في تاريخ تونس كان ثمنها الدّم الذي سال برصاص وطني على الأرصفة. هؤلاء الشبّان لم يكن لهم في الغالب انتماء حزبي لا مع اليمين ولا مع اليسار بل لم يكن أغلبهم يطلب أكثر من العمل قبل أن يرتفع سقف المطالب ليرحل النظام وآلياته. بعد 14 جانفي خرج ثوريون جدد ،كان أغلبهم إمّا صامتا أو موافقا أو مباركا لنكتشف أن كل الشعب التونسي كان ضدّ الرئيس السّابق وقفزت الى الواجهة وجوه جديدة لم نسمع بها من المثقفين ومن السياسيين ومن زعماء الاحزاب الذين احتكروا الظهور في شاشات التلفزة وفي الإذاعات ليستعرضوا عضلاتهم النضالية كما ظهرت فئات أخرى من مناضلي ال«فايس بوك» الذين لم نقرأ لهم قبل 14 جانفي حتى مقالا صغيرا على الشبكة العنكبوتية في نقد بعض المظاهر الثقافية لكنّهم وبمجرّد تأكّدهم أن الرئيس السّابق لن يعود تخصّصوا في ثلب بعض المثقفين الذين حاولوا أن يقدّموا شيئا خدمة للبلاد ويدافعوا قدر الامكان عن مساحات الحرية حتّى وإن كانت صغيرة. هؤلاء وغيرهم من الرّاكبين على الثورة التي صنعها البسطاء بدمهم وحناجرهم لا نجد لهم تسمية أخرى أكثر من «لصوص الثورات»فالثورة التونسية لم يصنعها حزب ولا جهة وبالتالي لا أحد يملك أحقية منح صكوك الغفران ولا البراءة ولا الثورية. وحدهم الذين استشهدوا أو الذين فقدوا فلذات أكبادهم أو ضاقوا مرارة السّجن أو المنفى بإمكانهم أن يرفعوا أصواتهم أما البقيّة وهم السوّاد الأعظم فالأفضل أن لا يركبوا على ثورة البسطاء والفقراء والحالمين بالكرامة.