الذين خرجوا الى الشوارع في مدن وأرياف تونس من الجنوب الى الشّمال ومن السّاحل الى الوسط الى الشمّال الغربي لم يطالبوا بأكثر من الكرامة والحق في العمل والعدالة الاجتماعية وعندما نضجت الثمرة وسالت دماء الشباب التونسي بالرصاص الوطني للأسف إلتحقت المجموعات السياسية التي كان بعضها صامتا وبعضها مواليا وبعضها ينتظر الى من ستحسم المعركة ليتّخذ قراره وعندما هرب الرئيس السّابق وانهارت أركان حكمه لم نجد في المشهد والإذاعات والصحف والشاشات إلاّ محترفو السياسة والخطب ليستعرضوا على الشعب الذي عاد الى صمته عضلاتهم الخطابية وليتفننوا في شتم المرحلة التي كانوا جزءا رئيسيا منها كما رأينا ضالعين في الفساد المالي والإداري في مختلف المجالات يتحدّثون عن ضرورة تطهير البلاد من «أزلام الفساد»ووجد أخرون في الابتزاز وسيلة للاثراء واكتشف الشعب أنّه بعد سبعة أشهر من دماء أبنائه سرقت ثورته من قبل مجموعات من الرّاكبين الذين يبحثون عن موقع مكان المواقع التي كان يحتّلها الحزب المنحلّ !. واذا كنّا نتفهّم هذا السلوك للسياسيين لأن الانقلابات على المواقف والمناورة من شروط السياسة فإنّنا لا نفهمه من المثقفين الذين كان الأجدر بهم أن يقدّموا نقدهم الذّاتي فأغلب المثقفين كانوا مع بن علي أماّ خوفا أو طمعا أو اقتناعا ولكن بعد 14 جانفي اكتشفنا أن الجميع كان معارضا وكان رافضا وكان مقموعا ولم نقرأ لأحد قدّم نقدا ذاتيا وقراءة موضوعية في مرحلة الحكم السّابق الذي استفادوا منه بدرجات متفاوتة . في هذا السياق أحيي الدكتور عبد السّلام المسدي الذي أصدر هذه الايام كتابا بعنوان «تونس وجراح الذاكرة الذي قدّم فيه قراءة جريئة وشجاعة لتجربته كمثقّف تولّى مناصب عليا في عهد بن علي . فالذين ساندوا بن علي في بداية حكمه خاصة كانت نواياهم طيّبة لكن الجحيم مفروش طريقها بالنوايا الطيّبة وكم نحتاج الى قراءات في النقد الذاتي عوض الركوب على الثورة والمزايدة وإدعاء الثورية لأن الشعب التونسي وخلافا لما يعتقده الكثيرون له ذاكرة فيلة !