هل هناك أطراف داخلية أو خارجية تتربص بثورتنا وتعمل على إجهاضها ومنع تحقيق أهدافها؟ مشروعية السؤال تتأتى من وجود محاولات لدفع التونسيين إلى مربع العنف وهو فخ وقع فيه الكثيرون فسفكت الدماء التونسية بأياد تونسية بعد إشعال نار الفتنة وإثارة النعرات الجهوية والقبلية والعقائدية. ما حدث في المتلوي والسند وبعدهما أمام قاعة سينما «أفريكا» وقصر العدالة بالعاصمة يعدّ خير مثال على ذلك إذ ساد خيار العنف على خيار الحوار والتفاهم. وإن كان العنف غير مبرّر مهما كان اسم مرتكبه ودوافعه والمتضررين منه ويبقى وسيلة مرفوضة فإن الظرف العصيب الذي تمرّ به بلادنا وهي في بداية الانتقال الديمقراطي يحتّم على الجميع الابتعاد عن استفزاز الشركاء أو الخصوم في المشهد السياسي وفي المجتمع والنأي عن المساس بالمقدسات وبالثوابت والقيم الوطنية والتعاطي مع المسائل الخلافية بمرونة وعقلانية لمنع أي تصعيد محتمل. إن الحريات مطلب أساسي وجماعي ومن حق الجميع التمتع بها دون الاعتداء على حرية الآخر جسديا أو فكريا أو لفظيا.. ومع ما يفترضه ذلك من حماية حق الاختلاف والدفاع عن الآخر وحماية الأغلبية للأقلية واحترام الأقلية للأغلبية. ويبدو أن هناك فهما مغلوطا للحرية والديمقراطية بدأ يتوسع في مجتمعنا ومشهدنا السياسي مشرّعا للفوضى ومغيّبا للحكمة والتعقّل ومقلّصا لهامش التسامح والتوافق ومهددا للاستقرار والأمن. والأدهى أن مناخ التوتر والعنف يأتي في ظرف تقلّص فيه دور وعمل قوات الأمن بفعل الاعتصامات والتهديد بالاضرابات، ويستبق استحقاقا انتخابيا مهمّا تسعى كل الأطراف إلى دخوله وضمان مشاركتها في التأسيس للمرحلة القادمة والطور الأهم للثورة التونسية. إن تونس للجميع ومن واجب كل أبنائها الحفاظ عليها والعمل على استقرارها ونمائها وتحقيق الانتقال الديمقراطي بها.