المجموعة الأولى للشاعر الزبير بالطيب الصّادرة مؤخّرا عن دار براءة في 78 صفحة وصمّم غلافها الشاعر توفيق الصغير تكشف عن شاعر حقيقي قادم من بعيد، من عمق الجغرافيا والروح والتاريخ. ففي زمن يتناسل فيه الشعراء وتنحسر فيه مساحات الشعر على حساب أصوات المنابر والنظّامين الذين يفتقر شعرهم للرؤيا والنبوءة التي تميّز أي نص شعري حقيقي عن غيره من النصوص المتداولة التي تقول ما يحدث ولا تكتب ما لا يرى، في هذا الزمن من الصراخ والنهيق يأتي صوت الزبير بالطيب وكأنّه من زمن أخر... الكثير من الطفولة والبراءة والنهل من أعماق أبار اللغة تلك الآبار التي لا يعرف سرّها إلاّ من تشبّع بالسليقة بثقافة عربية عميقة جوهرها القرآن الكريم وأسفار من الشعر القديم والحديث وقصيدة النثر. قصيدة الزبير بالطيب يتوفّر فيها السؤال وهو جوهر الشّعر وعمقه فالشاعر هو عدو اليقين حبيب السؤال ولا خير في قصيدة لا تزرع فيها الأسئلة ومرارات الرحيل بحثا عن معنى في وجود بلا معنى وذلك «داء»كل شاعر حقيقي. ...من جديد رحيل؟ متعبّ أنت يا أيّها القلب يا ممعنا في السؤال وتنساب القصائد وكأنها رجع حنين بعيد وهل يوجد شعر دون حنين ولا ذكرى ولا انتظار أنتظرتك ...أمعنت في الانتظار مللت الوقوف ومّلتني الشرفة الموصدة أطلت الوقوف أظّن ّ.... فقررت أن أبتعد... وابتعدت... المجموعة تضمّنت 13 قصيدة وقدّم لها الشّاعر سالم المساهلي بكلمة بعنوان «الشاعر الذي يولد كبيرا» وممّا جاء فيها «يبتعد الشّاعر عن مجايليه من الذين يتسابقون الى النشر والإدعاء وينأى بنفسه عن الصّخب والضوضاء والطيش اللغوي ويبني تجربته الشعرية في ثقة وصبر... ينصّب اهتمامه على نصّه، ويصغي الى دواخل نفسه دون شرود أو إغماء كما يفعل الكثيرون ممن يقولون الفوضى ويركبون الإبهامك. ويبدو الشاعر في مجموعته متعبا يبحث «عن مدن جديدة» وراء الأمواج لكن تيهه كبير وبلا جدوى ككّل الذين يهيمون على وجوههم دون مرفأ ولا مستقر على خطى الشاعر القديم «طلبت المستقر بكل أرض» أو أسوة بأبي هريرة «الذي كان كالماء يجري لم نقف له في حياته على وقفة قط كالمستعد الى الرحيل لا ينقضي عنه الرحيل»وذلك جوهر الشعر ومبتغاه. لا يكتب الزبير بالطيب الشعر فقط ولكن يبدو لي أنّه يتساقط من أصابعه كما نهر من الكلمات والأحزان والأغاني. في التصحّر الشعري الذي نعيشه منذ سنوات، جاءت هذه المجموعة لتكشف أنّ الشعر الصافي مازال زمنه لم يمت.