في البدء كانت الكلمة وفي الختام ستكون .. هي الكلمة نجدها تتحدث في «نذير الزلازل» المجموعة الشعرية ذات الطبعة الأنيقة الصادرة هذه السنة (2007) للشاعر أبو القاسم التليجاني عن دار جريدة الشعب . في هذا الكتاب المتميز شكلا ومضمونا نتصفّح 28 قصيدة جاءت معنوة كالآتي: (مواحد اللقيا صدى الموج في مدار الشّيم غربة الشعر النجمة الخضراء نجمة الأفق البعيد من رسائل العشاق شوق المريدين بيان إدانة على أبواب مدائن الخراب رعيل الخباة رسالة الى بدر شاكر السياب معابد الأوثان الشعب إن ثار في أوطانه قدر عند الصباح لا يحمد القوم السرى نشيد الخنادق معلقة من نذير الزلازل نقش سفر الصخر أنباء النبوءات خطوات المريد في مواقيت التهجد صراخ الحصار دمنا الطريق مهب رياح الغرب مهجة العُرب نزوع واحة الشعر تنازع وانشطار سيول في سباخ الرائد المكذوب ) وامتدت هذه القصائد على 184 صفحة صدرها صاحبها بقولة للمعرّي من مؤلفه اللزوميات ولعل بذلك أراد أن يلخص أو يلفت القارئ بما ورد في الديوان، وقد كتبت من فترة الثمانينيات من القرن الماضي وامتدت الى القرن الحالي الواحد والعشرين (2004) تخللت القصائد بعض اللوحات التي تعود للفنان السوري محمد بدر حمدان فالشاعر صاغ إنتاجه الشعري تحت بند القصيدة العمودية المقفاة، فالشعر عند أبي القاسم التليجاني موسيقى ملتزمة تنبعث من أقاصي قفصة لتحيلنا الى عمق الكلمة الهادفة التي تبحث عن مكانا لها بين هذه الأحداث التي انقلبت فيها الأشكال الشعرية، والمصالح الذاتية وبين ضياع حقوق الأمة، هذه القصائد موجهة الوجهة التي تجب لتأصيل الكيان على «رأي المسعدي» ودعوة للقارئ بأن يعي قضاياه ويعمل على استرداد حقوقه والذود بما استطاع عن مكتسباته إن وجدت أصلا. «وتحن حينا، أوتئن هنيهة مثل الشهيد، بنزهة قد أيقنا وتشوقك الأبعاد خلف متاهة بعهودها زمن التصهين قد زنى» ويقول أيضا ، من قصيدة «دمنا الطريق» «دمنا الطريق ينيره قتلانا يهدي الشعوب ويمهر الأوطانا» وأحيانا يأخذك في جولة حماسية فلا تجد بدّا إلا الانصهار والتماهي مع تلك المواضيع الصارمة فيخاطبك أيها القارئ بلسان عربي مبين ذلك نقرؤه من خلال الكلمات والمفردات أماما وراءها فهو اعمق بكثير واعني ماوراء السطور ونلاحظ تجذر المواقف السياسية، كرؤيته من التطبيع. والشاعر أبو القاسم التليجاني يلمّح الى الدرب الذي سلكه وامتطاؤه صهوة القومية العربية بالإضافة الى موقفه من الصراع العربي الصهيوني تلميحا وتصريحا، وله موقف من بعض قادة الدول العربية الذين تواطؤوا مع العدو وجلبه الى أوطانهم لنهب ثرواته والسيطرة على مقدراته فالوحدة العربية هي المطلب المشروع والحلّ الوحيد، لصون كرامة المواطن العربي من المحيط الى الخليج ونجده يقول من قصيدة «مهجة العرب» تحدّى، ونادي الورى للتحدّي وشدّي على زندك الحرّ شدّي وتيهي فخارا، فلا كان فخر إذا لم يكن في شموخ التحدّي فأنت انتصار لعزة شعب يراه العدى منذ كان التعدّي. إذا فضلا عن حرفية الخطاب، نلاحظ تكثيف فنون البلاغة من استعارات وصور شعرية وبعض الحكم المبثوثة على متن الصفحات. فقصائد «نذير الزلازل» تختلف من ناحية القيمة من قصيدة الى أخرى وأختم خطابي أن مجموعة «نذير الزلازل» الشعرية تذكّرنا بقصائد أبو الطيب المتنبّي.