أحيت عائلة التليلي وكامل أبناء جهة قفصة وكل التونسيين الأحرار والصادقين الذكرى 44 لوفاة فقيد الوطن النقابي والحزبي المجاهد أحمد التليلي الذي توفي يوم 25 جوان 1967 إثر مرض عضال.. كان للظلم والقهر السياسي أسبابه الأولى.. وهو في حالة اغتراب رغم أنفه. ومعلوم أن الفقيد هو المهندس الوحيد للثورة الوطنية المسلحة بعد تحسيسه من المرحومين الشهيد حشاد والمجاهد الأكبر بورقيبة وهذه الثورة التي كان لها الدور الفعال في استقلال البلاد فإثر خطاب المجاهد الأكبر يوم 18 جانفي 1952 ببنزرت الذي أعلن فيه عن انطلاق الثورة التونسية المسلحة. كان المرحوم التليلي قد تهيّأ واستعدّ وأعدّ العدّة تحت طيّ السرية والكتمان التأمين ويشهد التاريخ أن «الداموس» بمقر الاتحاد الجهوي بقفصة (دار مطيطي سابقا ومصحة الزيدي حاليا) وكذلك دار «مرقو» اليهودية وأيضا منزل ابراهيم كوكة بالدوالي كانوا جميعا أهم مخازن للأسلحة المجمعة والمشتراة من بقايا الحرب العالمية وكذلك من أهم مقرات الاستعداد لانطلاق الثورة. وللتاريخ فإن خطة المرحوم للثورة المسلحة جاءت وكأنها مستوحاة من خطة «هو شي منه» التي حرّرت الفيتنام من الاستعمار الفرنسي انطلقت مجموعة وطنية هامة ساهم في الاعداد إليها 3 عناصر وطنية هامة الأول هو المرحوم محمد بن عمارة الزعبوطي (القماش) بسوق المدينة والذي يحظى لدى الجميع بالثقة والاحترام خاصة في أوساط العروش وقبائل الهمامة ثم المرحوم السهيلي بلقاضي الاجري الذي كان رائدا للشباب وقادرا على الاحاطة والتأطير.. والثالث كان القائد الشهيد الأزهر الشرايطي العائد من حرب فلسطين بعد ربط الصلة بينه وبين التليلي من طرف المناضل المرحوم حسن فتاح. الشرارة الأولى في الأيام الأولى من شهر فيفري اجتمع المرحوم بثلة من المرشحين لحمل السلاح أكثرهم من عرش العكارمة وأولاد ثليجان (في البداية) بإحدى مغاور جبل عرباطة وهناك أطلق التليلي النار من مسدسه معلنا على بركة اللّه انطلاق الثورة التونسية المسلحة.. قائلا «تحيا تونس حرة مستقلة»، ثم وفي يوم 13 فيفري 1952 تمّ تنفيذ أول عملية فدائية بتلال السطح (بالحوض المنجمي) قتل فيها اثنان من الجندرمة.. بينما أطلق سراح المرأة الفرنسية المرافقة لهما. وفي مساء نفس اليوم تمّ تنفيذ عملية قتل خليفة منطقة القطار المدعو سليمان بن حمودة تخوفا من علاقته بالمستعمر وحسن خبرته في السلاح. وتواصل النضال والكفاح والمرحوم بين الجهاد على الساحة والتوجيه والريادة من السجون حتى جاء الحق وزهق الباطل وتحرّرت البلاد. الفقيد في بناء دولة الاستقلال واصل المرحوم نضاله عن طريق الاتحاد والحزب لبناء الدولة العصرية وحمل السلاح وسير معارك الجلاد بالجنوب.. (رمادة) وكان على رأس الأمانة الجهوية للاتحاد وأمانة مال الحزب وعضوية الديوان السياسي والنيابة الأولى لرئيس البرلمان ورئيس بلدية قفصة ثم مسؤوليات عالمية بالمنظمات الشغيلة ومساهما أساسيا في بعث النقابات المغاربية والافريقية. وبشهامة وأصالة وروح وطنية كان المشرف الأول في البلاد على دعم الثورة الجزائرية وهو الوحيد الرابط للصلة بين الحكومة وجبهة التحرير وعناصر المقاومة مستقطبا في ذلك جملة من خيرة الشباب في قفصة ومنهم الحسين بن قدور وحسن فتاح. الديمقراطي يغترب شاءت الأقدار أن تبرمج خطة اقصادية صدق تكهنه بفشلها مسبقا لفقدانها مقومات الديمقراطية والاعداد المادي العلمي اللازم وتجاهر بضديتها.. فكانت سببا في هروبه بعد فقده لسنده المرحوم الطيب المهيري. وللتاريخ فإن المرحوم لم يكن موافقا على الخطة التعاضدية راغبا في تأجيلها وتقديمها بطرائق ديمقراطية فكان جزاؤه التهديد والوعيد حتى هرب فارّا بروحه وهناك في بلد الغربة عاش مشرّدا.. هاربا.. مختبئا.. وتعرض مرتين لمحاولات القتل بالتسميم ويحرسه الخالق سبحانه عن طريق أطباء شبان من تونس حتى أصيب بالداء الخبيث ونظرا الى أنه لم يكن من المحكوم عليهم فقد عاد الى البلاد منهكا ومصابا وفي احدى مصحات باريس مات التليلي بطريقة لا يعلمها إلا الخالق. وبمجرد وصول الخبر الى مسقط رأسه بقصر قفصة حتى استعد الجميع وجهز له مأواه الأخير بمقبرة أسلافه إلا أن تخوف السلطة من ردود الفعل الشعبية بالجهة تمّ إقرار دفنه بمقبرة الشهداء بالجلاز بجانب رفيق دربه المرحوم الطيب المهيري. وإضافة الى ما ذكر فإن للفقيد مآثر سجلها له التاريخ وستبقي شاهدا على صدق وطنيته ومن ذلك إفادة المنظمة الشغيلة بمؤسسات تضمن موارد مالية لها مثل نزل قمرت ومحلات سكن قرب النزل المذكور والمساهمة في تأسيس بنك الشعب (التجاري بنك حاليا) وتأسيس مجلة «الشعب» (جريدة الشعب حاليا) إضافة الى مواقف بطولية أخرى ومنها الرسالة الشهيرة التي أرسلها الى بورقيبة وهو في عالم الغربة التي اختارها.