خاض نبيل معلول عدّة تجارب تدريبية ولكنه ظل في كل مرة يبحث عن اعتراف رسمي من التاريخ يثبت بموجبه قدراته الفائقة كمدرب بعد ان برهن عن امكانياته العالية كلاعب وكمحلل فني. هذا الحلم الذي راود معلول وتصدر دفتر أمنياته تحقق مساء أمس الأول بملعب رادس عندما تمكن من قيادة فريقه الأم الترجي الرياضي الى الفوز بالبطولة رقم 24 منذ تأسيسه بحكم أن أول بطولة تحصل عليها الأصفر والأحمر تعود الى موسم19411942 ويبدو أن هذه البطولة لم تمكن معلول من إضافة اسمه الى المدربين المتوجين بهذا اللقب فحسب ولكنها منحت سعادة استثنائية لجماهير فريق «باب سويقة» في ظل المنافسة الشرسة التي وجدها من قبل النجم الرياضي الساحلي. «الشروق» رصدت أهم الظروف التي رافقت تتويج الفريق بهذا اللقب وكذلك أهم الأسباب التي رجحت كفة الأصفر والأحمر عن ملاحقه النجم الساحلي في السطور التالية: 27 ديسمبر 2010 يمكننا ان نعتبر يوم 27 ديسمبر بمثابة التاريخ الذي غيّر مجرى الأحداث داخل حديقة المرحوم حسان بلخوجة فقد أقدم رئيس النادي حمدي المدب على التعاقد مع المدرب نبيل معلول خلفا للمدرب ماهر الكنزاري خاصة أن الترجي الرياضي كان يحقق انتصاراته بصعوبة وكان لابدّ من إحداث رجّة نفسية في صفوف اللاعبين بعد حالة الاحباط التي لم تفارقهم منذ انهزامهم أمام «مازمبي» الكونغولي بخماسية كاملة كما ان هيئة الترجي تعوّدت على انقاذ الموقف في الوقت المناسب فلو عادت بنا الذاكرة الى موسم 20082009 سنلاحظ انها تخلت عن خدمات الفني البرتغالي «دي مورايس» بالرغم من ان الفريق كان يحتل آنذاك المرتبة الأولى وهو ما يؤكد مرة أخرى النظرة الاستشرافية الثاقبة التي تتمتع بها هيئة المدب. على منوال بن عزالدين وبن يحيى كذّب المدرب نبيل معلول كل التكهنات بحكم أن التاريخ يؤكد أن الترجي لم ينجح مع أبنائه سوى في مناسبات قليلة جدّا ولكن معلول أبى إلا أن يضيف اسمه الى قائمة المدربين المحرزين على لقب البطولة والذين سبق لهم تقمص ألوان الترجي كلاعبين وهم على التوالي: الهاشمي الشريف الذي قاد الترجي الى الفوز بالبطولة في مناسبتين (1959 و1960) وعبد الرحمان بن عزالدين (بطولتان أيضا في 1970 و1976) بالاضافة الى خالد بن يحيى المتوّج بثنائي 20052006 وحقق نبيل معلول البطولة السادسة في رصيد أبناء الترجي. التاريخ الى جانب الترجي أشرنا في عدد سابق أن الفوز على المنافس المباشر ولو بخماسية كاملة كما فعل النجم (صاحب المرتبة الثانية) أمام الترجي الرياضي لا يمكنه أبدا ان يضمن للفريق الحصول على الألقاب ويكفي ان نتصفح أرشيف البطولات المحلية التي ظفر بها فريق «باب سويقة» للتأكد من هذا الأمر، فخلال موسم 19591960 انحنى الترجيون امام الملعب التونسي (منافسهم على البطولة آنذاك) ولكن الترجي أحرز اللقب في نهاية المطاف وهو ما تكرّر خلال موسم 19691970 حيث انهزم الأصفر والأحمر أمام منافسه على اللقب النادي الافريقي بهدف لصفر ولكن الترجي رفع لقب البطولة وخلال موسم 19741975 انهزم الترجي مجددا امام الافريقي منافسه أيضا على البطولة ومع ذلك فقد أحرز الترجي الرياضي اللقب وكان موسم 1984 1985 شاهدا على هزيمة مدوية جدا للترجيين أمام النادي الافريقي بخماسية كاملة مقابل هدف وحيد الا ان الترجي يحرز مجددا لقب البطولة تاركا المرتبة الثانية الى النادي الافريقي ولعل الطريف في الأمر ان معلول كان لاعبا آنذاك في صفوف الترجي الرياضي وها أنه يعيش السيناريو نفسه خلال الموسم المنقضي (20102011) بعد أن انهزم الترجي الرياضي أمام النجم بخماسية كاملة ولكنه فاز في نهاية المشوار بالبطولة واكتفى النجم بالمرتبة الثانية وليست هذه المرة الأولى التي ينهزم فيها الأصفر والأحمر امام النجم ويحرز فيها على اللقب بما أن هذا الأمر حدث أيضا خلال موسمي 20012002 و20052006. تعددت أسباب الفوز بالبطولة يخطئ من يتصوّر أن فوز الترجي الرياضي بالبطولة رقم 24 في تاريخه جاء بمحض الصدفة، ربما كنا سنقول ذلك لو تعلّق الأمر بلقب واحد أما إذا تعاقد الفريق مع التتويجات بلقب البطولة منذ موسم 19411942 (اي قبل حصول البلاد على استقلالها وبعده وأيضا عقب ثورة 14 جانفي 2011) فإن الأمر لا يصبح مجرد صدفة وإنما هي التقاليد التي بحوزة «شيخ» الأندية التونسية وقوة شخصيته وتنظيمه الإداري المحكم فالترجي تعرض خلال هذا الموسم الى صدمة عنيفة في رابطة الابطال الافريقية وحتى هيئته المديرة لم تسلم من الانتقادات اللاذعة على عكس بقية المواسم الماضية ومع ذلك فقد واصل الترجي الرياضي مشواره بثبات مستفيدا من وجود السيد حمدي المدب على رأس النادي بحكم أن هذا الرجل بذل الغالي والنفيس لإعلاء راية الترجيين وضخ أموالا طائلة في شرايين النادي العريق فجعله لا يواجه تلك المتاعب التي عاشت على وقعها الأندية الأخرى. حضر الانضباط وغابت العمليات الجراحية بالاضافة الى المجهودات التي بذلها المدب وهيئته المديرة فإن هذا اللقب تحقق أيضا بفضل جهد اللاعبين واجتهاداتهم وكذلك انضباطهم بحكم أن دفتر العقوبات لم يسجل سوى عقوبتين (البطاقة الحمراء) تحصل عليها خالد القربي وأسامة الدراجي وذلك على عكس بقية منافسي النادي وفي مقدمتهم النجم الرياضي الساحلي وقد تميّز أداء بعض لاعبي الترجي الرياضي بالانتظام على غرار وليد الهيشري (لعب أكثر من 1900 دقيقة طيلة الموسم) وشمام (حوالي 1890 دقيقة) والدراجي (حوالي 1598 دقيقة)... واستفاد الترجيون أيضا من الكفاءة العالية لإطارهم الطبي بقيادة الدكتور ياسين بن أحمد حيث لم يخضع أي لاعب من لاعبي الترجي الى عملية جراحية خلال الموسم المنقضي وذلك على عكس بقية الأندية واقتصر الأمر داخل أسوار الحديقة «ب» على تعرض لاعبين فحسب الى إصابتين عضليتين. تألق بن شريفية يبدو ان العين الفنية الفاحصة للحارس السابق للترجي «جون جاك تيزيي» أحسنت الاختيار بعد ان منح الفرصة للحارس الشاب معز بن شريفية وذلك رغم وجود ثلاثة حراس مرمى (النوالي والماجري ونوّارة) يفوقونه تجربة وسنّا وتشير الأرقام التي بحوزة الترجيين الى أن هذا الحارس أنقذ الفريق من حوالي 12 هدفا محققا (لعب بن شريفية حوالي 1456 دقيقة) وقبلت شباكه 9 أهداف. المساكني والدراجي ينسجان على منوال طارق ومعلول مرة أخرى أكد الترجي أنه لن يتوقف عن خدمات لاعب بعينه مهما كان اسمه وحجمه فالترجي تخلى عن مهاجمه النيجيري «مايكل اينرامو» خلال فترة التنقلات الشتوية رغم المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها هدّاف الفريق في الموسمين الماضيين فإن الترجي تمكن من تجاوز هذا الأمر بعد أن وجد ضالته في خدمات اللاعب المالي المميّز «درامان تراوري» الذي وإن لم يسجل أهدافا كثيرة كما فعل في موسمي 20042005 و20052006 بتسجيله 8 أهداف ثم 9 أهداف فإنه تمكن من تسجيل هدفين حاسمين أمام نادي حمام الانف (هدف التعادل والهدف الثالث) ولا ننسى كذلك الأهداف الكثيرة التي سجلها الثنائي يوسف المساكني وأسامة الدراجي (10 أهداف لكل واحد منهما) ويذكر انها ليست المرة الأولى التي يفوز بها الترجي الرياضي باللقب دون ان يفوز أحد لاعبيه بلقب هدّاف البطولة فقد حدث هذا الأمر خلال موسم 1998 1999 عندما عاد لقب هدّاف البطولة الى لاعب النجم الساحلي «دوس سانطوس» ولكن الترجي فاز آنذاك بلقب البطولة ومن جهة أخرى سبق للترجي ان وجد الحلول لدى لاعبي وسط الميدان كلما تعطلت ماكينته الهجومية ففي موسم 19821983 عوض متوسط ميدان الفريق طارق ذياب مهاجمي النادي وسجل 15 هدفا وخلال موسم 19871988 سجل نبيل معلول 14 هدفا مما ساهم في تتويج فريقه بلقب البطولة رغم ان معلول كان يشغل خطة متوسط ميدان ويبدو أن المساكني والدراجي نسجا على منوال طارق ومعلول. بين معلول واليعقوبي تسلّم معلول وقيس اليعقوبي مقاليد تدريب الترجي الرياضي والنادي الافريقي في الفترة نفسها تقريبا ومع ذلك فإن معلول عانق النجاح واليعقوبي غادر الافريقي في ظرف وجيز وهذا الأمر لا يعود حسب اعتقادنا الى ان معلول يفوق اليعقوبي كفاءة ولكن لأن مدرب الترجي وجد مناخا مناسبا للعمل.
