ما كنا نخشاه ونحذر منه بان واقعا ملموسا والحلم الذي راود أبناء التيار القومي التقدمي في تونس طيلة عقود الجمر كدنا نراه حقيقة تضلل طموحاتنا وتسقي أرواحنا المتعطشة للإسهام في بناء أمة عربية ذات مشروع انساني مفعم بالأمل لكل عاشق للحرية والحق والسلام. لأننا نعرف كما يعرف الجميع أن الشعب العربي معتدى عليه من خارجه اغتصابا واحتلالا وهيمنة وتبعية ومعتدى عليه من داخله قهرا وظلما وإذلالا وهو ليس في حاجة لغير حديث صادق ودعوة حارة إلى الثورة التي تحرره شعبا ووجدانا ليقيم دولته وهو مابدا يلوح في الأفق عندما انفجرت شرارتها من تونس لتمتد إلى عمق جسد امتنا المنهك بالظلم والعدوان...واستجابة لضمير شبابنا الثائر تدافعنا لبناء أداتنا السياسية علنا نساهم في تعبئة جماهيرنا نحو تحقيق أهداف ثورة العز والابى متجاوزين لكثير من الاشتباكات الموضوعية التي كانت تشق صفوفنا باعتبار تاريخية اللحظة. وهنا أخطانا الخطأ الأول عندما سمحنا بتسرب الثلاثي القاتل. القبيلة، الغنيمة، العقيدة على أمل أن الانخراط الميداني في مهام نضالية سيفكك هذا الثالوث السرطاني لنقع في الخطأ الثاني عندما اخترق جسد مشروعنا نزعة المحاصصة بين الشلل النقابية والمرجعيات الطلابية باعتبار تمايز التجارب التنظيمية ورغم كل ذلك اندفعنا نحو استكمال البناء واعتبرنا أن ذلك سيفكك كل التناقضات وسيصهر جهد المناضلين في بوتقة العمل الميداني انتصارا لمطالب شعبنا لنقع في الاسوء والأخطر عندما صمتنا على من لا فكر ولا أخلاق ولا علاقة له بالمشروع القومي من التسلل في لحظة وجدانية غامرة إلى بنيان حركتنا ليفكك أوصالها ويخرب طموحاتها ويهشم معنوياتها فضاعت البوصلة واستنزفت الجهود وتضاربت الرؤى وعمت الفوضى وانخرمت الصفوف وبتنا خارج الحركة المتدفقة للتاريخ وتحول البعض منا إلى شهود زور يرون الحق ولا يعلون شأنه فتسربت الفتنة وبدأن التجزئة للحركة المنكوبة ظلما وتهاونا من أبنائها وهنا استحضر ماقاله صلى الله عليه وسلم: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي ذنبي مغفرة من عندك وارحمني انك أنت الغفور الرحيم (رواه البخاري ومسلم) ولأن المؤمن لا يجب أن يلدغ من الجحر مرتين، عفوا العديد من المرات كان لا بد أن يصدح بالحق احدنا وهذا ما فعلته صبيحة افتتاح اللقاء الموسع لحركة الشعب الوحدوية التقدمية يوم 29 ماي 2011 بمقرها المركزي بنهج جمال عبد الناصر عندما قلت إن الحركة باتت تدار من قبل عصابة واللّه يشهد أن ماقلته كان يهمس به أغلب أبناء الحركة في سرهم وعجزوا عن الجهر به،اللهم فاشهد إني قد حاولت وهنا أذكر إخواني بأننا في بداية سلم العمل السياسي ولاحرج أن نخطئ في حساباتنا وليس عيبا أن نسقط في فخاخ المتآمرين المهم أن ننهض وأن ننهض اليوم أفضل من أن نراهن على الأوهام وأنا على يقين من صدقكم وحرصكم على بناء وحماية مشروعكم ولكن ماذا تقولون لمن وليتموهم أموركم وهم لا يعنيهم من كل ذلك الا خدمة طموحاتهم الذاتية فلا حرج عند هؤلاء أن يجندوا ضعاف النفوس من بعض الشباب المندفع بلا ضوابط أخلاقية لتحقيق مآربهم فحيكت المؤامرات ضد الجميع وبثت سموم الفتنة والفرقة وتزعزعت الثقة، فبهذا سنؤسس حركة مناضلة ذات أهداف عظيمةافبهذا سندافع عن عزة وطننا افبهذا سنساهم في وحدة أمتنا.... ولهؤلاء نقول نحن أحرار ولن نكون أبدا أتباعا. وللانفصاليين المزهوين بالتفاف القبيلة وللمتفرجين المتشبعين بالحكمة والتبصر دون سواهم إلى حد الخرف وللمؤسسين الأشباح الذين يروننا ولا نراهم وللمتربصين من بقايا أحزاب متهاوية وللعائدين من الأزمنة الغابرة مع رياح الشمال وللطامحين لإنشاء حركة سياسية تكون ذراعا للعمل النقابي نقول : حسابات الحقل ليست كحسابات البيدر، أقول قولي هذا ثم أمضي...