التجربة التشكيلية في تونس عرفت بتميّزها من حيث تعدّد ألوانها وتياراتها وتجاربها ذلك أنها نهلت من خصائص الحياة التونسية بشتى أطيافها وإنجازاتها إلى تيارات الحداثة الفنية التي عرفتها أوروبا والعالم بصفة عامة. من بين هذه التجارب نذكر تجربة الفنان التشكيلي الهادي فنينة أصيل مدينة الحمامات الذي قضى فترة من مسيرته في أوروبا وخاصة بألمانيا حيث أقام عديد المعارض كما أنه برز مع آخرين منهم عبد الرزاق الساحلي وعلي بن سالم ضمن تجربة الاحتفاء بالخصوصية الفنية والثقافية المحلية بالخصوص... في معرضه الأخير بفضاء جمعية صيانة المدينة بالحمامات، عبر الفنان الهادي فنينة عن تمسكه بنهجه التشكيلي الذي يهب مدينة الحمامات شيئا من ألقها حيث يبرز البرج الشامخ المطلّ على البحر في عناق جمالي وتاريخي كثيرا ما لفت إليه زائر هذا المكان.. الى جانب ذلك عمل الفنان أيضا على ابراز اللون الأزرق في أعماله في إشارة الىالبحر والسماء وألوان الأبواب والشبابيك في فسحة من سحر المشهد وتشبّع الفنان بروح عناصر وتفاصيل الحمامات هذه المدينة المنفلتة من البهاء التونسي الأصيل. عدد آخر من اللوحات مثّلت إطلالة الرسام على عوالم الجنوب التونسي حيث أبدع في رسم عدد من المشاهد منها النسوة بلباس الجنوب وذلك اتقان لوني وجمالي فيه الكثير من بلاغة العبارة التشكيلية وتجلّياتها الفادحة. الثورة حضرت لدى الفنان من خلال أعمال برز فيها علم البلاد ضمن حشد من العناصر في لغة يغمرها الوجد والاحساس العميق والبهجة. عم الهادي فنينة ومن خلال هذا المعرض يستعيد مع جمهوره وأحباء فنه تلك التلقائية التي تطبع فنّه وعلاقاته بالناس والفنانين والبسطاء والتي جعلت منه فنانا صاحب تجربة في الفن والحياة. بعد هذا المعرض، يحلم الفنان الهادي فنينة بفضاء يحفظ لوحاته وأعماله وورشة لابداعاته الجديدة وذلك بعد أن غادر مرسمه الذي كان بالمركز التجاري لعدم قدرته على تسديد المقابل المادي الشهري فهو الفنان الذي عمل على حفظ أشياء من ذاكرة المدينة... الحمامات.. بعد رحيل عدد من مجايليه من الرواد بقي عم الهادي فنانا شاهدا على مدينة بتفاصيلها ووجدانها وجمالها وهو بذلك يعتبر رمزا فنيا وإبداعيا ومن حقه على البلدية أو المسؤولين بالحمامات أن يكون له فضاء بأيسر التكاليف ليواصل فنّه وحتى لا نخسر مبدعا آخر وبالرجوع لما كتبه عنه العديد من السياح الذين زاروه نلمس أهمية هذا العطاء التشكيلي الذي أنجزه في مدينة تحضن الأحلام كما يحضن بحرها شيئا من سحرها... في هذا المعرض الأخير طور آخر من أطوار تجربة فنان كبير يحتفي بالناس ويتناغم مع ايقاعهم ويسعد مثلهم بالثورة المجيدة...