في العراق اليوم دماء ودمار وأبرياء في عمر الزهور يتساقطون الواحد تلو الآخر بسبب القصف الامريكي «المجنون» الذي يستهدف العراق من شماله وجنوبه... تلك حقيقة لا يمكن لاحد أن ينكرها... أرض العراق اليوم «تعج» بأشلاء الابرياء المتناثرة وسماؤه معتمة بدخان «البارود» وبرائحة الموت الذي بات يتهدد كل عراقي، لا لشيء إلا لأنه عراقي... وتلك أيضا حقيقة لا يجوز لأحد ان يتنصل منها... لكن بالرغم من هذه الوقائع المؤسفة والحقائق المؤلمة والكوابيس التي يكابدها العراق منذ الغزو فان بعض العراقيين لا يزالون يصرّون على التجديف ضد التيار وعلى «مغالطة» أنفسهم ويتحدثون عن «العراق المحرّر» بل ولا يخجلون من إظهار امتنانهم لبوش الذي «خلصهم» من نظام صدام وأغدق عليهم الحرية والديمقراطية كما يتبجحون بذلك... ووصل الامر بهؤلاء الى حد التعبير عن سعادتهم بذلك أصلا بالرغم من أن دماء العراقيين الذي يتكلمون باسمهم لا تزال تنزف وبالرغم من حمام الدماء الذي يسبح فيه العراق من الفلوجة وسامراء والرمادي الى بعقوبة والموصل ومدينة الصدر... وهذا ما جاء خصوصا على لسان سفير العراق الجديد لدى الأممالمتحدة (كما قدم نفسه) والذي قال بالحرف الواحد لدى تسليمه أوراق اعتماده الى عنان انه سعيد سعادة لا توصف بتولي منصب أول مندوب وممثل للشعب العراقي في الاممالمتحدة بعد تحريره... كان علينا ربما أن «نتفهم» تصريحات سفير العراق الجديد وسعادته الكبيرة على اعتبار انه سيجد نفسه بجانب عنان في نيويورك بعيدا عن ضربات المقاومة وعن دائرة الحريق الذي يتلظى فيه الشعب العراقي... وكان علينا ربما ان نقدر أيضا نشوته بهذا المنصب الجديد، لانه ليس هو الوحيد الذي يجاهر بالتعبير عن سعادته بتولي هذا المنصب في «العراق المحرر». لكن ما لا يمكن ان يقبله منطق او عقل هو أن يلبس هذا الأخير الذي قدّم نفسه على أنه من كبار «المناضلين» ضد صدام ثوب الوطنية وان يتحدث بصفة سفير العراق المحرّر بينما عدة وقائع تفضحه وتؤكد مشاركته في جريمة ذبح العراق وتدميره وليس في تحريره كما يدّعي... فربما كان من الافضل مثلا أن يقدّم «السيد السفير» نفسه على أنه مندوب العراق المدمّر... لا المحرر اللهم الا من شعبه ومن نفطه وثرواته... كما كان عليه أيضا أن يبدي على الاقل في مقابل هذه السعادة ب»المنصب الجديد» انشغاله بالوضع في العراق مجاملة لأولئك الشهداء الذين يتساقطون يوميا ولاظهار جانب من الوطنية التي يتشدق بها ولكنه لم يفعل... ولن يفعل لا لشيء الا لأنه يدرك جيدا أنه مرتهن في أقواله وفي حياته السياسية بأكملها لامريكا وأن أي انتقاد ولو ضمنيا لسياسة بوش في العراق قد تعصف بمستقبله (هذا اذا كان له مستقبل سياسي) ويلقى بذلك نفس مصير المدعو أحمد الجلبي الذي أطاحت به «لعنة العراق» ولعل أمثاله كثيرون... تلك هي اذن حقيقة السعادة التي عبر عنها سفير العراق الجديد الذي لم يجد أي خجل أو وجل في الحديث عما نعته ب»العراق المحرر» متناسيا أنه «صعد» الى هذا المنصب على جثث الأبرياء وعلى حساب مصلحة العراق الذي يزعم أنه يحمل هويته... لكن ثمة حقيقة أخرى ساطعة لا تزال تنبثق من وسط العتمة التي تغطي سماء بغداد ومن بين أولئك الابرياء (تناساها سعادة السفير ولم ينساها بالتأكيد مفادها ان العراق الحرّ لن يضعه الا أولئك الشرفاء الأحرار... لا أولئك الذين يسبحون ضد التيار...