كثيرا ما ينصرف الانتباه إلى أدوار الشخصيات و»الجماعات» التي أعلنت جهرا تعاونها مع الاحتلال وامتنانها له دون مكابرة أو تزويق.. فهذه الجماعات هي في واقع الأمر معروفة بالتواطؤ مع الغزاة وبتذيلها لهم.. لكن ما هو أكثر خطورة من هذه الجماعات أولئك الأشخاص الذين ينسبون أنفسهم إلى «مثقفي العراق» والذين انقلبوا على المواثيق الوطنية وانبروا «ينظّرون» للتعاون مع المحتلين ويباركون «الديمقراطية» التي أغدقها الغزاة على «العراق المحرّر» كما يقولون. فهؤلاء الأشخاص وبدل أن يدينوا الممارسات والفظاعات التي يرتكبها المحتلون ضدّ أبناء جلدتهم بشكل يومي وأن «يعرّوا» حماقات الغزاة أمام العالم أبوا إلا أن يبرروا ويباركوا هذه الجرائم والمجازر التي اعترف الاحتلال نفسه ببشاعتها. كما أنهم بدل أن يؤيدوا عمليات المقاومة ويرفضوا كل المخططات التي يروّج لها المحتلون تحت ذرائع شتى رفعوا في المقابل شعار «النضال من أجل الديمقراطية حتى في ظل الاحتلال».. وكلمة «حتى» هذه لها معان كثيرة لحدّ أن كبار النحويين قال ذات يوم: (أموت وفي نفسي شيء من «حتى»). ولكن مع ذلك لم يستطع أي نحوي سابق أو معاصر أن يتوصل إلى معناها الحقيقي.. فهم عندما يقولون ان الديمقراطية ممكنة حتى تحت الاحتلال فإنما يريدون بذلك دعوة العراقيين إلى «استثمار» هذا الظرف والتمتع ب»الديمقراطية» مادام الاحتلال موجودا لأن الديمقراطية حسب رأيهم قد تصبح صعبة المنال بعد رحيل الاحتلال.. وهو الأمر الذي يتوافق في جوهره مع ما يردده المحتل نفسه الذي يستخدم مصطلح «الديمقرطية» الرنان للترويج لمخططاته الاستعمارية ولتحقيق أهدافه والتي يأتي في مقدمتها تأبيد احتلال العراق. واللافت أيضا أن هؤلاء «المثقفين» يبنون مواقفهم ورؤاهم بقيام عراق آمن ومستقر على ضوء رفضهم لما يصفونه بالارهاب والعنف والتطرف.. وهذه الأوصاف إنما يقصدون بها تحذير (أو تخدير) العراقيين ليس إلا. كما انهم يلجؤون بين الحين والآخر إلى بعض «الاستدراكات» الخجولة ولوم الاحتلال على «عنفه» دون الحديث عن عدوانه ومجازره التي حصدت مئات الشهداء والجرحى.. بل أنهم لا يجدون حرجا حتى في «التهرب» من تحميل الاحتلال المسؤولية في ما يشهده العراق بينما يكثرون في المقابل من ترديد الأوصاف المموهة له والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد أو الوضع المتأزم ملفتين بذلك اللوم على من يصفونهم ب»الارهابيين» في إشارة بذلك «طبعا» إلى أولئك المقاومين الشرفاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل كرامة بلدهم وشعبهم. ولعل الأغرب من ذلك أن هؤلاء «المثقفين» لا يجدون خجلا في مقابل ذلك في إيهام العراقيين بأن الاحتلال قد تغير بصورته وحتى بجوهره رغم ان وقائع أكثر من 15 شهرا تدحض هذا الادعاء كل يوم وتؤكد أنه مجرّد أكذوبة أريد بها تضليل الشعب العراقي وإيهامه بأن العراق بات اليوم محررا حقا وبأن «جنة» الديمقراطية والحرية التي وعد بها «المحررون الجدد» قد تحققت فعلا. ربما قد ينقاد البعض من الشعب العراقي إلى ما تردّده هذه «الجماعة المثقفة» وقد تصدق أقوالها في ظل ظرف قاس يعيشه العراق.. لكن الواضح ان قوى المقاومة التي تدرك جيدا «خفايا» اللعبة هي من سيكون الأمل والنبراس لقيادة العراقيين.. نحو الخلاص..