توطّدت العلاقة بين شيخنا سيدي ابراهيم الرياحي والوزير الأكبر يوسف صاحب الطابع. وقد كانت سيرة الشيخ واخباره تصل الباي حمودة باشا من وزيره. وحين ضرب القحط البلاد التونسية عام 1818 واستبدت المسغبة وضاقت حال البلاد والعباد ارتأى الباي أن يرسل مبعوثا الى ملك المغرب السلطان مولانا سليمان ليلتمس منه المساعدة الى حين تبدّل الأحوال. وقد اختار للأمر أولا الشيخ سيدي صالح الكواش لما عرف عنه من علم ووجاهة ولما يحظى به من احترام وتبجيل داخل تونس وخارجها. لكن سيدي صالح الكواش الذي كان قد تقدّم في السن ولازمته بعض الأمراض مما جعل تنقله وتحمل اتعاب السفر أمرا غاية في الصعوبة اعتذر بلباقة ورشح للمهمة تلميذه سيدي ابراهيم الرياحي الذي سافر الى السلطنة المغربية حاملا رسالة بليغة ومعبّرة خطّها شيخه عمر المحجوب قاضي الحضرة الى السلطان مولاي سليمان. وقد جاء بالخصوص في هذه الرسالة التي كانت غاية في البلاغة، عميقة ودقيقة في وصف احوال تونس في تلك السنة الصعبة بحيث يقع تأثيرها في قلب كل من يستمع الى مضامينها وقد جاء فيها بالخصوص: «ان حضرة افريقيا (يقصد تونس) احاطها الله بعنايته الكافية واسبغ على اهلها رداء العفو والعاقبة قد أعوزها الخصب في الاعوام المنفصلة وتوالى الجدب عليها في سنين متصلة لاسيما هذه السنة الشهباء فإنها تلوّنت لأهلها تلوّن الحرباء ولم يجد القوم ملاذا من هذا الأمر ولا مفزعا لأن يكشف الله عنهم هذا الضر إلا انهم أنفذوا الانفار المذكورين أعلاه للمشهور الأفحم والملاذ الأعظم حضرة مولانا السلطان الشريف ذي القدر المنيف أعز الله سلطانه. وهؤلاء القوم وإن كانوا بأيديهم مكتوب من أميرنا الباشي ايده الله تعالى... أوفدوهم على مولانا السلطان ممتارين قائلين مسّنا وأهلنا الضرّ وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا ان الله يجزي المتصدقين.. ونعرّفكم بأن الأول منهم هو الفقيه المتفنّن البارع أبو إسحاق الشيخ سيدي ابراهيم الرياحي من نجباء التلامذة الذين أخذوا عنّا ولعلكم ان شاء الله اذ بلوتم نجابته واستغضبتم كنانته تحمدون في العلوم ذكاءه وترضون في توغّله في معارجها وارتقاءه.. والله تعالى يبقيكم ومن طوارق الزمان يقيكم». محمّلا بهذا المكتوب المعبّر والمؤشر يشدّ شيخنا الرحال رفقة بقية أعضاء الوفد الى المغرب الأقصى... وهناك سوف تظل تلازمه وصيّة خليله سيدي علي حرازم التي أوصاه فيها بالتحول اولا الى دار سيدنا القطب أحمد التيجاني حين يسافر الى المغرب وسوف يعمل بها لينتقل اولا الى دار القطب قبل ملاقاة مولاي السلطان سليمان.. وسنتعرض لأطوار هذه الزيارة في حلقة قادمة. فإلى حلقة أخرى