لم تكن الحكومة على استعداد تام لاستيعاب كل هذه الأحداث التي فاجأتها ولم يكن لها من العدّة ما تجابه به مشاكلها، فما عدا ما عندها من الصبايحية الذين لا يصحّ اعتبارهم بمثابة عسكر نظامي، كان تحت تصرّفها زهاء الثلاثة أو الأربعة آلاف من عساكر القرعة منهم كتيبة واحدة منظمة نوعا ما ومستقرة بتونس العاصمة، ولا قِبل لهؤلاء بالوقوف في وجه حركة الثورة وقوفا جديا ومجديا. ولهذا اضطرت مرة أخرى لاستدعاء قدماء العساكر الذين أشار اليهم كمبنون قبل عامين بقوله في حقهم: «إنهم يعدّون ألفين أو ثلاثة من العساكر الطاعنين في السنّ وعلى حالة يرثى لها من حيث الملابس». ومن جهة أخرى فإن مصطفى خزندار قد أشعر دي بوفال في 14 أفريل بأن الحكومة قررت الاستغناء عن خدمات القائم مقام كمبنون رئيس البعثة العسكرية الفرنسية. ولتهدئة روع البلاد أصدر الباي منشورا مؤرّخا في 21 أفريل 1864 يقتضي إلغاء مضاعفة المجبى وكذلك اصلاح العدلية ويتضمن ايضا وقف العمل مؤقتا بما جاء به عهد الأمان. وكانت ان بادرت الدول الأوروبية (انقلترا وفرنسا وايطاليا) بإرسال سفنها الحربية للأيالة التونسية استجابة لنداء قناصلها وقصد حماية رعاياها... ولم تكن هذه السفن إلا بمثابة الطلائع لقوى أهم وأعظم ستأتي فيما بعد. وبمجرّد حلول هذه القوات البحرية انتظمت فيما بينها دوريات الحراسة وأخذت الوحدات الخفيفة منها تنتقل من ميناء الى ميناء في السواحل الشرقية التونسية... وكانت سفن الخفر وسفن الانذار تروح وتغدو بين مواني قابس والمنستير والمهدية ومهمتها ربط الصلات بينها وبين العاصمة والمدن الساحلية الكبرى ونقل البريد وحمل أعوان الباي واللاجئين الذين يرغبون في العودة الى تونس العاصمة أو في الذهاب الى أوروبا. أما معظم الأساطيل فقد رابطت بميناء حلق الوادي وعلى استعداد للتدخل عند أول اشارة. لقد استحكمت القطيعة بين قنصل فرنسا وبين خزندار. وأصبح العداء سافرا بينهما فكان دو بوفال ينتهز كل المناسبات وكل التعلاّت لإقلاق راحة الوزير الأكبر التونسي معتمدا في ذلك على التأييد الذي يلقاه من كمبنون الذي ارتكب معه خزندار منتهى الحماقة والعجرفة عند إشعاره بالاستغناء عن خدماته. وقد فقد القنصل الفرنسي كل اتّزان لشدة حقده على الوزير التونسي. يتبع