لقراءة القرآن في شهر رمضان مكانة خاصة حيث تقبل عليه نفوس المسلمين ترتيلا وسماعا. ولا عجب فشهر رمضان أُنزل فيه القرآن وفيه كان جبريل عليه السلام يدارس النبي آياته. لذلك ترى عديد الناس يتسابقون في هذا الشهر الفضيل على تعداد الختمات وتكرارها. ولكن... هل تكفي قراءة القرآن لفهمه؟ يقول الله في تنزيله في سورة محمد آية 24: «أفلا يتدبرون هذا القرآن أم على قلوب أقفالها». في هذه الآية دعوة صريحة من الله إلى المسلم يحثّه فيها على السعي إلى فهم كتابه بتعمّق النظر فيه والغوص في أعماق معاني آياته وتلمّس أسرارها. أن «نتدبّر» القرآن يعني أن لا نقف عند المعنى الظاهر للآيات بل يجب أن نبحث عن معانيها الباطنة. ذلك أن القرآن استخلاص لمعان لا تنتهي وفيه كنوز يكتشفها القارئ المتدبّر كل يوم جديد: «ما فرطنا في هذا الكتاب من شيء» (سورة الأنعام آية 38). يقول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: «ذلك القرآن فاستنطقوه». ولكن من هو المؤهل لاستنطاق القرآن؟ شروط عديدة يجب توفرها لمن أراد فهم القرآن وتفسيره وتأويله. وأول هذه الشروط معرفة اللغة العربية التي أُنزل بها القرآن. وحينما نقول المعرفة فإننا نعني الإلمام التام والدراية الكاملة بهذه اللغة وبتاريخها وبثرائها. ويتمثل ثاني هذه الشروط في معرفة التفاسير الأخرى لعلماء الإسلام أمثال الرازي والزمخشري وغيرهما. إلى توفّر هذين الشرطين يحتاج القارئ المتدبّر للقرآن إلى الجهاد والاجتهاد حتى ينفذ إلى المعاني الخفية لآيات القرآن. فأما الجهاد فهي ذلك الجهد المتعلق بنقاء الروح وتزكيتها، وأما الاجتهاد فهو جهد فكري يحاول به القارئ أن يتجاوز كل ما هو سطحي وظاهري. عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «أُنزل القرآن على سبعة أحرفٍ لكل حرف منها ظهر وبطن ولكل حرفٍ حدٍّ ولكل حدّ مُطَّلعٌ». أي أنّ للقرآن معنى ظاهرا لكننا لا يجب أن نقف عند ذلك المعنى الظاهر بل يجب أن نبحث ما استطعنا على المعنى الباطن. ففي بحثه عن المعنى لا يجب أن يهمل الإنسان المعنى الظاهر لكنه لا يجب أن يتوقف عنده، بل عليه أن يجتهد في إيجاد التطابق بين المعنيين الظاهر والباطن حتى نحصل على المعنى الكامل الذي يحقق الإدراك المتوازن. وفي هذا البحث عن التوازن تحقيق لمبدإ الوسطية التي يؤكدها القرآن رافضا بها كل مغالاة وتطرف. ولقد انتقد حجّة الإسلام الغزالي مذهب الباطنية (الاسماعيلي) التي كانت توغل في البحث عن المعاني الخفية، رغم أنّه كان متصوفا، كما أنه رفض القراءة الظاهرية للقرآن ورأى فيها إغفالا لعمق القرآن. القرآن أحكام والقرآن قيّم والقرآن أخلاق، والخلاص في البحث عن معنى تتطابق فيه كل هذه المعاني ضمن منهج يجعل من الوسطية هدفه الدائم: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا» (البقرة آية 143).