تونس – الشروق: أثار تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 ما سيتيحه هذا القرار لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من فوائد سياسية قد تُحرره من ضغوطات عديدة ظل يتحملها منذ توليه رئاسة الجمهورية وخاصة منذ مبادرة الوحدة الوطنية. ومنذ الاعلان عن تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 سارعت بعض الاطراف الى التعبير عن مواقف لم يسبق أن أعلنتها خلال الاجتماعات السابقة للموقعين على الوثيقة. وقد بدت مختلف الأطراف في وضعية «تحرر» من ضغوطات منعتها سابقا من التعبير عن آرائها بكل صراحة. وهو ما اتضح من تصريحات رئيس النهضة راشد الغنوشي وأمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي ورئيسة اتحاد المرأة ورئيس منظمة الأعراف وبقية ممثلي الأحزاب والمنظمات..وبالنسبة للطرف الأبرز في مسار قرطاج وهو رئيس الجمهورية، ورغم عدم إدلائه أو إدلاء ممثليه بتصريحات حول موقفه مما جرى، إلا أن المحللين يعتبرونه أكثر المستفيدين من تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2. منذ توليه رئاسة الجمهورية وخاصة منذ مبادرته حول الوحدة الوطنية أصبح رئيس الجمهورية في مواجهة ضغوطات عديدة من مختلف الأطراف الشريكة في منظومة الوحدة الوطنية وغيرها من الأطراف. حيث برزت طيلة العامين الماضيين خلافات واختلافات عديدة بين هؤلاء الشركاء بلغت حد تبادل الاتهامات. وهددت أحيانا بالمس من هيبة واستقرار الدولة ومن الهدوء الاجتماعي والسياسي والمصالح الاقتصادية. وكان رئيس الجمهورية يضطر في كل مرة الى التدخل قصد التهدئة وإيجاد الحلول الوسطى التي تحمي المصلحة العليا للدولة وللمجموعة الوطنية بوصفه المسؤول عن منظومة الوحدة الوطنية وايضا المسؤول – وفق الفصل 72 من الدستور – عن ضمان استقلال واستمرارية الدولة واحترام الدستور. من أبرز الضغوطات في هذا المجال ما عبر عنه البعض مؤخرا من تمسك بعزل رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد او بتغيير بعض الوزراء الى جانب ضغوطات متأتية أحيانا من حزبه الاصلي نداء تونس حول ضرورة وضع حد لسياسة التوافق او ضغوطات أخرى من النهضة حول التذمر من «تصرفات» الأطراف الاخرى المُوقعة على وثيقة قرطاج... ومن الضغوطات الاخرى التي واجهها رئيس الجمهورية منذ توليه رئاسة الجمهورية ضغوطات ذات صبغة «عائلية» وهي أساسا تلك المتعلقة بالخلافات داخل حزب نداء تونس التي يظهر فيها اسم ابنه حافظ قائد السبسي في مواجهة مع أسماء وأطراف أخرى. كما يتردد أيضا ان قائد السبسي الأب وجد نفسه أكثر من مرة تحت ضغوطات «الطموحات» السياسية لنجله حافظ قائد السبسي والتي قوبلت بانتقادات كبرى من شق هام من الرأي العام وانضافت الى ذلك ايضا ضغوطات تأزم العلاقة بين نجله ورئيس الحكومة يوسف الشاهد في ظل تمسك الأول بإقالة الثاني. وبالتالي فإن تعليق العمل بوثيقة قرطاج قد يضع حدا لكل ذلك حسب بعض المحللين. ومن أبرز الضغوطات التي يتعرض لها رئيس الجمهورية منذ فترة تلك المتعلقة بتقلب العلاقة بين قصر قرطاج والقصبة وخاصة العلاقة بين الطاقم الاستشاري لرئيس الجمهورية ونظيره التابع لرئيس الحكومة وذلك حول بعض المسائل المتعلقة بتسيير شؤون البلاد رغم أن الدستور كان واضحا وصريحا في ما يتعلق بتوزيع المهام بين رئيسي السلطة التنفيذية وسيعود اليه ( الدستور) الاعتبار بعد تعليق العمل بالوثيقة المذكورة. هذا التعليق لوثيقة قرطاج سيؤدي وفق المحللين إلى إزاحة جانب هام من الضغوطات المذكورة عن رئيس الجمهورية وإلى تحريره منها بعد ان تحمّلها منذ بداية العمل بمنظومة الوحدة الوطنية إلى الآن وكان مصدرها أساسا الشركاء البارزين في وثيقة قرطاج 1 على غرار حزبه الاصلي نداء تونس وحزب النهضة واتحاد الشغل ومنظمة الاعراف وغيرها. فبعض الاطراف أصبحت تستغل وثيقة قرطاج لتحُلّ محلّ "رئيس الدولة أو رئيس الحكومة في ممارسة بعض الصلاحيات ( التعيينات – الاقالات..) أو تتدخل في طريقة تسيير الدولة. وبذلك يمكن القول إن التعليق وخاصة إذا رافقه وضع حد لمنظومة الوحدة الوطنية سيعيد الاعتبار الى العمل وفق ما يمليه الدستور والقانون وسيعيد الاعتبار ايضا الى مؤسسات الدولة ( خاصة البرلمان ورئيس الحكومة) في ممارسة صلاحيتهما كاملة دون تدخل أي طرف وبعيدا عن الطموحات والرغبات الشخصية والحسابات الشخصية الضيقة التي بدأت تظهر لدى بعض الأطراف استعدادا لانتخابات 2019...