الراحل صالح جغام هو أحد فرسان الاذاعة الوطنية ولد يوم 5 ماي 1945 بمدينة حمام سوسة، والتحق بالاذاعة الوطنية يوم 1 مارس 1964 وكان منذ مرهقته مولعا بتقديم الجديد واحداث المفاجاة دون خوف من التجربة . قدّم صالح جغام للإذاعة «ليال عربية»، و»لقاءات عربية»، و»مواجهة أمام الميكروفون». و»حقيبة المفجات التي تعتبر مثالا للبرنامج الاذاعي المتطور والمتفتح على التجارب الادبية والفنية والمعرفية بكافة انواعها . كما قدم صالح جغام «من روائع الموسيقى العربية» و»عالم السينما» و»ابحث معنا»، بالاضافة الى تقديمه ملفّات ثقافية آيةً في الرقيّ والحرفية . وأدار صالح جغام لقاءات عديدة وشيقة جمعته بعمالقة الفن في الوطن العربي على غرار عادل إمام وفاتن حمامة ومحمود ياسين ونور الشريف وعزّت العلايلي وغيرهم. ولم يكن مروره بالمشهد الاعلامي عابرا بل كان يحمل كل مقومات الثبات والخلود. وقد نحت لنفسه مكانا ومكانة مرموقة في زمن كان المتاح أقل بكثير من المنشود.كان صالح جغام مشحونا بقصة حب لا تعرف الافول للاذاعة التي كانت مدرسته وبيته وعشقه الاول والأخير. ومن خلال هذا العشق اللامتناهي أسّس مدرسته المخصوصة في التقديم الاذاعي. وأصبح له مريدون وتلاميذ يتبعون خطاه وينسجون على منواله وينهلون من خبرته التي تجذرت مع الايام حتى بات مرجعا في التقديم الاذاعي. تجربة ممتعة لقد أدرك الراحل صالح جغام منذ البدء مكامن النجاح والتألق فسعى الى صنع اسطورته من خلال عمله على السعي الى الاشتغال على ذاته وتطوير مهاراته ومعارفه. اذ احاط نفسه بكبار المثقفين والمبدعين واختار لنفسه نهج الاطلاع والتكوين والتحصيل بعيدا عن فضاءات التعلّم التقليدية. وهذا ما جعله يمتلك قدرا محترما من المعرفة خوّل له ان ينتج برامج شكلت اضافة حقيقية للاذاعة التونسية بل كانت من العلامات المضيئة في تاريخ البث الاذاعي ولا تزال مصدر إلهام للكثيرين. ورغم تنامي عدد الاذاعات وتنوعها فهو ينتمي الى فئة من الذين لا يمكن تعويضهم او الاستعاضة عنهم، لأن صاحب حقيبة المفاجآت الذي حزم حقيبته الأخيرة وخبأ في ثناياها سنوات عمره المليئة بالعطاء قد صبغ مسيرته بالشغف الكبير للعمل وبالتجديد الذي لا حدود له ولهذا لا يزال ينبعث من ردهات الاذاعة محتفيا بنغم جديد او غاضبا من شيء ما عكّر صفوه، قبل ان يعود الى عشقه الكبير ويغرق في حوارات وتعاليق التي لا تنتهي. ولعلّ الاذاعة التونسية اليوم ورغم مرور 27 عاما على رحيله تدرك اية ثروة خلفها هذا الذي صادق الميكروفون ومكن اذاعته من تراث ثقافي واعلامي من شأنه ان يكون هدايا للاجيال القادمة وذاكرة للاذعة لا تمحوها الأيام.