صراعات نفوذ في البرلمان تجاوز صداها أسوار المؤسسة التشريعية ليصل الى "القصبة " خاصة أن رئاسة الحكومة تدخلت بإرسال فريق من المحققين في المجال المالي للتثبت من شبهات فساد في صرف عدد من الميزانيات. تونس الشروق: أرسل رئيس الحكومة يوسف الشاهد فريقا من الهيئة العامة لرقابة المصالح العمومية للتحقيق في مجالات صرف ثلاث ميزانيات رُصدت لمجلس نواب الشعب. وهي ميزانية سنة 2015 وميزانية سنة 2016 وميزانية سنة 2017. وانطلق الفريق في تجميع كل الوثائق المتعلقة بمجالات صرف هذه الميزانيات والتحقيق فيها بعد أن بلغ الحكومة شبهة فساد مالي في التصرف فيها . صراعات ترهق الناصر إرسال هذا الفريق من المحققين الى البرلمان ليس أمرا انطباعيا أو إستجابة لمجرد الحديث عن شبهات فساد، إنما هو يدخل في سياق كامل من الصراعات في إدارة البرلمان، صراعات أرهقت رئيسه محمد الناصر خاصة بعد أن تناقضت آراء المقربين منه حتى أن فيهم من سعى إلى عزله كليّا عبر إخفاء بعض المراسلات والوثائق الهامة . وبلغ الصراع أوجه بعد أن اجتمع مكتب مجلس نواب الشعب مؤخرا وقرّر تحجيم دور مدير الديوان وتمكين الكاتبة العامة للمجلس من صلاحيات تجعلها في علاقة مباشرة مع مساعدي الرئيس. وهو ما وتّر الأجواء أكثر في إدارة مجلس نواب الشعب. وألهب نيران الصراع التي بلغت حد التجسّس على تحركات بعض العناصر الفعالة وكتابة تقارير يومية بنشاطاتها وتحركاتها . كل هذه الخلافات دفعت الى تدخل أطراف من داخل البرلمان والاتصال برئاسة الحكومة لإرسال فريق تحقيق في صرف الميزانيات لعلّه يجد بعض الثغرات يمكن توظيفها في سياق الصراع الذي يبدو أنه لن ينتهي. لكن الإشكال في إرسال هذا الفريق من المختصين أدخل البرلمان في إشكالات أخرى تتعلّق بمدى سلطة الحكومة على البرلمان وشرعية ما تقوم به خاصة أن البرلمان سخّر لجنة مختصة للنظر في مآلات صرف الميزانيات. وهي بصدد العمل منذ أشهر . أما الإشكال القانوني والدستوري فيتعلق بما تضمنه الدستور في فصله 52 حيث نص على أن "يتمتع مجلس نواب الشعب بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة. ويضبط مجلس نواب الشعب نظامه الداخلي ويصادق عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه. وتضع الدولة على ذمة المجلس الموارد البشرية والمادية اللازمة لحسن أداء النائب لمهامه". الاستقلالية المالية والإدارية وهذا الفصل يجعل البرلمان في استقلالية تامة على المستوى الإداري والمالي ,أي أن عمليات التدقيق المالية يقوم بها البرلمان بنفسه. ولا سلطة للحكومة عليها. وهو ما تؤكده بعض الفصول التي تضمنها النظام الداخلي للبرلمان وعلى رأسها الفصل الأول الذي ينص على أن "يتمتع مجلس نواب الشعب بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة.وتنظم إدارة المجلس وفقا لمبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام.وتعمل إدارة المجلس لخدمة الصالح العام وفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة".اضافة الى الفصل الثالث الذي ينص على أن "يسنّ مجلس نواب الشعب قانونا يتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية البرلمانية وفقا لخصوصيات المرفق العمومي البرلماني ولمتطلبات العمل الإداري بالمجلس.ويضبط مكتب المجلس الأنظمة الأساسية الخاصة لمختلف الأسلاك التابعة له والتنظيم الهيكلي للمصالح الإدارية.وتسند الخطط الوظيفية بمقتضى قرار من رئيس المجلس وفقا لمقتضيات التراتيب القانونية سارية المفعول". والفصل الخامس الذي ينص على أن "يضبط القانون المتعلق بالاستقلالية الإدارية والمالية لمجلس نواب الشعب آليات الرقابة على تنفيذ ميزانية المجلس وهياكلها"وارتباطا بما سبق ذكره فإن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ويُسمّى "دستور البرلمان " يؤكد أن آليات الرقابة على ميزانية المجلس لا تكون الا عبر قانون الاستقلالية المالية والادارية الذي تعطّل في اللجنة على امتداد أكثر من ثلاث سنوات بسبب صراعات سياسية منعت إيصاله الى الجلسة العامة والمصادقة عليه. خلاف مع الشاهد الصراعات الحاصلة في إدارة البرلمان أدخلت هذه المؤسسة في دوامة من الإشكالات. فخرجت من المعطى الداخلي لتطال الحكومة ورئيسها الذي من المنتظر أن يدخل في إشكال مع نواب البرلمان في هذا الملف .