ظل الموقف الأمريكي منذ عام 1947 حتى عام 1995 يعتبر القدس مدينة واحدة وان اسرائيل استولت على غربها في عام 1949 كما احتلت شرقها في إطار ما سمي خطأ حرب الايام الستة وهي في الواقع ليست حربا وليست أياما على تفصيل ليس هذا مجاله . كذلك انتقدت الولاياتالمتحدة في مذكرة رسمية صادرة من الخارجية الامريكيه عام 1953 قانون العودة اليهودي. وفي مجلس الأمن خلال التداول حول القرار 242 أكد المندوب الأمريكي على موقف حكومته وهو التمسك بقرار التقسيم ووضع القدس فيه وعدم الإعتراف بأي خطوة إسرائيلية للمساس بوضع القدس. ولذلك لم يكن إعلان الرئيس الامريكي ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس مفاجئا في ضوء تحول الموقف الامريكي برلمانيا أي على مستوى الكونجرس بسبب تراجع الموقف العربي نتيجة المغامرات التي إندفع بها الحكام المستبدون العرب لأوطانهم خاصه غزو العراق للكويت الذي كان نقطة التحول الرئيسية في الموقف الأمريكي . وإذا كان الكونجرس قد أقر بشكل نهائي عام 2002 بأن القدس عاصمة أبدية ودائمة لإسرائيل فإن موقف الرئيس الامريكي كان يتحدد بالمصالح الامريكية ومدى تهديدها ولذلك فإن الرئيس ترامب جاء إلى السلطة في بداية عام 2017 وقد اكتملت عناصر المأساة في الجانب العربي والاسلامي والإسرائيلي والفلسطيني وبذلك لم يكن مفاجئا لنا سوى الخطة الشاملة لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل في إطار صفقة القرن التي تنفذها الأطراف العربية المختصة ذلك أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإطلاق يد إسرائيل في تهويد القدس الشرقية والإستيلاء على المسجد الأقصى هي محطات لصفقة القرن التي سوف تتكشف جوانبها رسميا بعد عيد الفطر المبارك بحيث أصبحت المنطقة تسلم بحق إسرائيل وحدها في الوجود على كل فلسطين رغم العبارات البلهاء التي مازالت النظم العربية ترددها بشأن القدس. فما هي القيمة القانونية للموقف الامريكي الذي يتناقض مع كل المرجعيات القانونية والسياسية السابقة ؟ وضع فلسطين يحكمه قرار التقسيم وكذلك وضع القدس وقد قدمت محكمة العدل الدولية في قضية الجدار العازل عام 2004 شهادة قانونية حازمة بشأن الوضع القانوني لفلسطينوالقدس وأن كل ما تقوم به إسرائيل يتناقض تماما مع هذه المرجعيات حتى اصبح التناقض بين القانون والأمر الواقع في فلسطين يعكس الصراع بين الحيازة الغاصبة وصكوك الملكية القانونية. والحق أن فلسطين كلها للفلسطينيين والقبول بقرار التقسيم هدفه المرونه والإنحناء أمام الأمر الواقع الغاصب وعندما يريد المغتصب أن ينفرد بالغنيمة دون أهل الدار فإن الموقف يجب أن يعود إلى صورته الأولى وهي أن اليهود غزاة مستعمرون وأن فلسطين تتعرض لتهديد الوجود الفلسطيني فيها وليس الخلاف على قطعه ارض هنا أو هناك فإما اليهود أو الفلسطينيون على أرض فلسطين وغير ذلك يعتبر تدليسا وكسبا للوقت حتى تكتمل المؤامرة. إسرائيل حالة خاصة في النشأه والوظيفة والمعاملات فعيدها الوطني هو مأتم عند الضحية وتمددها يكون على جثة العرب ولذلك فليس من حقها أن ترغم الدول الأخرى على نقل سفارتها إلى العاصمة الجديدة وهي القدس والإحتماء بقاعدة أن الدولة حرة في اختيار عاصمتها وأن البعثات الدبلوماسية يجب أن تقيم في العاصمة وهذا لا ينطبق على إسرائيل قطعا لأن اختيارها للعاصمة ليس على أرضها وإنما هو إنتهاك لكل القواعد القانونية التي تحمي القدس. قرار التقسيم وقرارات مجلس الأمن واليونسكو بشأن القدس وخاصة القرارات التي ترفض المساس بالوضع القانوني للقدس وتحظر نقل السفارات إلى أرض محتلة. وقد يقول قائل على سبيل المجادلة أن واشنطن نقلت سفارتها إلى غرب القدس وأن العرب لا يطالبون بها وإنما يطالبون بشرق القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المرجوه ولكني أقول لهم أن العرب وإسرائيل والولاياتالمتحدة لم يحترموا القرارات الدولية التي تتحدث عن القدس الواحدة وليس قدسين . وقد يقول قائل أيضا أن التمسك بالقانون يقابله أمر واقع على الأرض والأمر الواقع هو الذي يصنع القانون مثلما أشارت خطابات الضمان الأمريكية في نفس الوقت الذي كانت محكمة العدل الدولية تقرر موقف القدس والأراضي الفلسطينية في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2004. إذا كانت واشنطن وإسرئيل قد ذهب بهم الأمل بعيدا بقدر الرخاوة في الموقف العربي والإسلامي فإن التعويل طويلا على الفلسطينيين وتضحياتهم ينطوي على ظلم لهم ونعتقد أن قضية القدس لن يقرر مصيرها ترامب وأنها ستظل موضع صراع متجدد ربما عامل تخمر لثورات عربية كبرى بعد أن يفيق الشباب المسلم الذي جندته المؤامرة لضرب الأوطان العربية والتنكر للقدس . أعتقد أن التوطين يطمس الهوية كما يطمس أدلة الحق وينشئ واقعا جديدا بهيمنة جديدة ولذلك لابد من أن تقود النخب العربية المعركة من أجل القدس على كل المستويات وخاصة مستوى الوعي والأمل فقد ضاعت القدس قرونا أيام الصليبيين وبلغ تحلل العالم الإسلامي درجات أكثر بشاعة مما نرى في مواجهة المغول والصلييبين وطاشت سهام رجال الدين الذين اختاورا الواقعية على أصل الحق وكان ذلك خللا خطيرا في عقيدتهم. والقدس عربية فيها آثار إسلامية ومسيحية ولا أثر لليهود فيها ولذلك فإن كل اثر صهيوني في القدس أو فلسطين فهو دخيل محتل لها مع فارق هام بين الصهيونية والصليبية. فالصليبية هي غارة صليبية باسم الصليب على الشرق فمهما طال بقاؤها فإنها لم تمس الأرض والمقدسات وأما الصهيونية فهي تهدف إلى طرد السكان والإستيلاء على الأرض وتزوير الذاكرة التاريخية وإنشاء حقائق جديدة موصولة بتاريخ مزيف.