لا يكاد يمرّ يوم تقريبا دون ان تقرأ او تسمع بأن رجال الأمن أوقفوا واحدا او جماعة ممن يسمونهم بالتكفيريين، والتكفيريون ناس من عباد الله يعتقدون حسب دعواهم بأن غيرهم من بني خلق الله ليسوا مسلمين ولو كانوا من بني وطنهم ومن ملّتهم، ولذلك هم يسمون ايضا بالمتشدّدين ولا يؤمنون بسلطة الحاكم ويطلقون اسم الطاغوت على رجال الأمن والجيش وكأنهم فراعنة. جرّني هذا التصرف الغريب الى الرجوع الى كتاب الله الذي هو المرجع الوحيد لتبيان أن تصرّف هؤلاء الناس بعيد عن الاسلام الحق وأن هؤلاء التكفيريين والمتشدّدين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بدين الاسلام السمح المتفتّح الذي يدعو الى الصفاء والأخوّة والمحبّة. هؤلاء التكفيريون يصل بهم الاعتقاد الخاطئ الى قتل غيرهم وحرقهم وقطع رؤوسهم لأنه كفّار والكافر هو من لا يؤمن بالله هكذا! سبحان الله! وإذا سألتهم كيف يقولون هذا الكلام ويعتقدون هذا الاعتقاد الرذيل يجيبون بأن المجتمع الذين يعيشون فيه مجتمع كافر ولا يطبّق الشريعة ولذلك هم متشبّثون بالانتماء الى الحركات المتطرفة. أقول في نفسي بتحسّر: هل قرأ هؤلاء الناس القرآن! ويقيني أنهم لم يعرفوا كتاب الله أصلا ولم يتدبّروا معانيه ولم يتمعّنوا في آياته. الا كيف يبيحون لأنفسهم زرع الشكوك في قلوب المؤمنين الموحدين والاعتداء بالسبّ والعنف والقتل على الرجال الذين يسهرون على حماية الأرواح والدفاع عن الوطن؟ رجعت الى كتاب الله إذن وقرأته سورة سورة وآية آية واستخلصت من مبادئه السمحة وهداياته البيّنة ما به تطمئن القلوب. كيف يسمح إنسان يعتبر نفسه مسلما بتكفير أخيه المسلم واله سبحانه وتعالى يقول: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} القصص 56. {لا إكراه في الدين} البقرة 256 {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} البقرة 272 {من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} الأنعام 39 {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده} الأنعام 88 {وقل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف 29 {وإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} الرعد 41 {ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة ولكن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء} النحل 93 ويقول سبحانه وهو الحق في نفس هذا السياق: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها} الإسراء 15 {إنما أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل} الزمر 41 {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } المدثّر 31 {إنّا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} الانسان 3 فهل قرأ التكفيريون هذه الآيات؟ أو هم لم يسمعوا بها تماما؟ وقد يكون السؤال الثاني هو الأقرب لأن هذا الرهط من الناس الذين نراهم يكفّرون الحكومات القائمة ويكفّرون رجال الامن والجنود الأوفياء ويكفّرون أصحاب الرأي والمجتهدين لا علاقة لهم بالدين السمح ثم هم ينصّبون أنفسهم أوصياء عليه وليس لهم من زاد العلم إلا القشور ومن روح المعرفة إلا الزبد وإن على قلوبهم أقفالا. هذا فيما يتعلق بالهداية والضلال. أما فيما يخص الدعوة الى الحسنى وفعل الخير ونبذ العنف والظلم، فالله سبحانه وتعالى يقول: {إن احسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} الإسراء 7 {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} الأنعام 160 {وأحسنوا إن الله يحبّ المحسنين} البقرة 195 {الذين آمنوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} الأنعام 32 {ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير} آل عمران 104 {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة} النساء 124 وأما فيما يتعلق بنبذ الفرقة والدعوة الى المحبّة والتآخي، فيقول جلّ وعلا: {ونزعنا ما في صدورهم من غلّ} الأعراف 43 {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بيْنِكُم} الأنفال 1 {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} الأنفال 46 {والله يدعو الى دار السلام} يونس 25 {ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا} آل عمران 105 {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} الكهف 54 {وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة 2 {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا} آل عمران 103 وأخيرا يبسط الله سبحانه يده لكل من زلّت به القدم او أسرف على نفسه او ارتكب ذنبا او معصية مبشّرا جميعهم بالصفح والغفران والرحمة فلا يقنطنّ عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت آثامه لأن باب الرحمة والتوبة واسع. وفي هذا يقول جلّ شأنه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر 53 { ولا تيأسوا من روْح الله} يوسف 87 {ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} النساء 110 {إن الله لا يغفر أن يُشْرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116 هذا هو كتاب الله رحمة واسعة يذهب ما في القلوب من غلّ وما في النفوس من سوء بؤس وهو شفاء للمريض بالحقد والبغض {وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء 82 فأين هؤلاء من كل هذا؟ أين هم من التكفير والتشدّد والتعصّب والانغلاق وشيطنة الناس؟ اين هم من القرآن وأخيرا هذا قولي يتماهى مع قول الأستاذ الدكتور يوسف الصدّيق متسائلا: هل قرأنا القرآن؟ عمر عبد الباري