هجم صلاح الدين على الفرنج هجوما عنيفا فرق فرسانهم عن مشاتهم وتقهقرت فلولهم الى تلال حطين من شدة ما لاقوه من الهول والعطش الشديد، وبعد معارك ضارية بين الطرفين انتصر فيها صلاح الدين انتصارا حاسما وانهزم الصليبيون هزيمة منكرة ولم يفلت منهم احد فكانوا بين قتيل واسير وبلغ عدد قتلاهم عشرة الاف وظل المسلمون يزحفون نحو قمة الجبل وامامهم الصليبيون يتراجعون والقتل والاسر يعملان في فرسانهم حتى بقي ملك بيت المقدس وحوله عدد قليل من رجاله فسلموا انفسهم صاغرين . وأسر ملك بيت المقدس وارناط موقد شرارة الحرب، واقيمت لصلاح الدين خيمة اجتمع فيها بذوي الرأي من اتباعه ومستشاريه ّ، ثم امر باحضار الملك جاي لوزجنان وصاحب الكرك ارناط فاجلسهما داخل خيمته وقد اخذ العطش من الملك كل مأخذ فطلب ماء فاحضر له ماء مثلوجا فشربه الا قليلا منه ثم ناوله صاحب الكرك فقال صلاح الدين حينئذ " انا لم نعطه هذا الماء حتى يكون آمنا على نفسه " ثم قام وانب صاحب الكرك على سوء صنعه مع قافلة المسلمين وتطاوله على مقام النبوة ثم ضرب عنقه يبده تنفيذا لوعده وبرا بيمينه . وعند ذلك اصاب الرعب الملك فطيب السلطان خاطره وهدأ من روعه وقال له " لم تجر عادة الملوك ان يقتلوا الملوك واما هذا فانه تجاوز حده فجرى عليه ما جرى " ثم أمر به فارسل الى دمشق هو وبقية قومه . انتهت معركة حطين وكان النصر فيها حاسما لصلاح الدين فلقد هزم فيها الافرنج الغاصبون هزيمة منكرة وقد خاض جيش المسلمين المعركة وهو في احسن ما يكون نظاما واقوى ما يكون عدة وامهر ما يكون قيادة، ولقد كان اختيار ارض المعركة موفقا من الناحية العسكرية والحربية لذا كانت هذه الموقعة ضربة قاضية على فلول الافرنج الصليبيين . وبعد الانتصار الكبير الذي احرزه صلاح الدين في حطين توجه بقواته الى مدينة عكا فاستسلم من فيها ودخلها في جمادى الاولى سنة 583 هجري وانتقل الصليبيون منها الى مدينة صور ثم وقع احتلال المدن والحصون التي حول عكا مثل تبنين وصيدا وجبيل وبيروت وبعد ذلك ساير الساحل وحاصر عسقلان مدة اربعة عشر يوما وحال بينها وبين الامدادات الصليبية التي كانت ترد اليها من الساحل وتوجه الى بيت المقدس بعد استسلام الرملة والداروم وغزة وبيت لحم والنطرون . واراد السلطان الا يتعرض لبيت المقدس بسوء ولا يمسها بأذى واختار دخول مدينة القدس صلحا دون ان يسلط عليها من قوة جيشه الهائلة ما يهدم ابنيتها وينتهك مقدساتها وكانه اراد ان يعيد سيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في فتحها مرة ثانية فاوفد الرسل الى اهلها يطلب منهم التسليم على شروط وضعها قائلا لهم : " اني على اعتقاد تام بان القدس هي بيت الله المقدس كما تعتقدون وليس في عزمي ان اتعرض لبيت الله باذى الحصار او ضرر الهجوم ". يتبع