كان صلاح الدين رابط الجأش ثابت العزيمة لا تخور قواه اذا احاطت به الشدائد ومن ذلك ما يرويه القاضي ابن شداد انه حدث اثناء حصار الصليبيين لعكا ان وصل في البحر في ليلة واحدة اكثر من سبعين مركبا صليبيا وهو يعدهم مركبا بعد آخر من بعد صلاة العصر الى غروب الشمس ولم يؤثر فيه ذلك شيئا . ويقول ابن شداد ما رأيته استكثر العدو اصلا ولا استعظم امرهم قط وقد حدث في بعض المواقع التي دارت بين صلاح الدين والصليبيين في مرج عكا ان هزم المسلمون وسقط علمهم على الارض ومع ذلك ظل صلاح الدين ثابت القدم في نفر يسير حتى انحاز الى الجبل يجمع الناس ويردهم ويحفزهم ولم يزل كذلك حتى انتصر عسكر المسلمين على العدو في ذلك اليوم وقد لخص القاضي بهاء الدين شخصية صلاح الدين فقال لقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيما بحيث ما كان له حديث الا فيه ولا نظر الا في آلته ولا كان له اهتمام الا برجاله ولا ميل الا الى من يذكره ويحث عليه لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله اهله واولاده ووطنه وسائر بلاده وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة .. كما اشتهر صلاح الدين ايضا بخلق الحلم والعفو فكثيرا ما كان يقابل الاساءة بالاحسان والغلظة بالحلم ومن ذلك ما يرويه ابن شداد من ان الناس كانوا يتزاحمون على صلاح الدين لعرض شكاويهم وربما داسوا على اطراف ثيابه والمفرش الذي يجلس عليه باقدامهم وهو لا يتأثر لذلك وينظر في شكاويهم ويمضي في قضاء حاجاتهم في اناة وحلم وقد كان يحدث ان بعض المستغيثين والمتظلمين يغلظون له القول ويستعلون عليه فيتقبل قولهم بالبشر والقبول . اما المروءة والسماحة التي تحلى بها صلاح الدين فقد اجمع المؤرخون قديما ان المعاملة الحسنة التي عامل بها اعداءه لم يسبقه بها احد في تاريخ الحروب والفتوحات اذ يروي القاضي ابن شداد « لما مرض الملك الانقليزي ريشارد قلب الاسد اكبر خصوم صلاح الدين بعث اليه ورفه عنه وارسل اليه الفواكه والثلج « وكان الصليبيون يعجبون من هذا التسامح الكبير الصادر عن اعدائهم المسلمين نحوهم ومن هذه الرحمة التي يبديها المسلمون نحو الصليبيين الذين مسهم الجوع واقعدهم العجز واصابهم البلاء . والمجمع عليه لدى المؤرخين ان صلاح الدين لم يستغل هذا العجز لاكراههم على الدخول في الاسلام . بل انه حين استرجع بيت المقدس منع الاعتداء على كل صليبي بعد ان استسلمت الحامية ومنحها الامان وخرج جميع الصليبيين من بيت المقدس محروسين بالجند الاسلامي حتى وصلوا آمنين الى مدينة صور. يتبع