سورة «الدخان» هي السورة الرابعة والأربعون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الرابعة والستون بحسب ترتيب النزول، وهي السورة الخامسة من (الحواميم) السبع. نزلت بعد سورة الزخرف، وقبل سورة الجاثية في مكانها هذا. وهي مكية كلها في قول الجمهور، تسمى بسورة الدخان وسورة (حم الدخان) وهما بمنزلة اسم واحد؛ ووجه تسميتها ب (الدخان) وقوع لفظ الدخان فيها في قوله سبحانه: ﴿فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين﴾ الدخان:10، المراد به آية من آيات الله، أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك سميت به اهتماماً بشأنه، ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة، ذات محور واحد، تُشَدُّ إليه خيوطها جميعاً. سواء في ذلك القصة، ومشهد القيامة، ومصارع الغابرين، والمشهد الكوني، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة، فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري، واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة، كما يبثها هذا القرآن في القلوب. ويمكن تفصيل مقاصد هذه السورة وفق التالي: تبدأ السورة بالحديث عن القرآن وتنزيله في ليلة مباركة، فيها يفرق كل أمر حكيم، رحمة من الله بالعباد، وإنذاراً لهم وتحذيراً. وقد جاء هذا الحديث مقروناً ببيان بعض صفات الله الجليلة وأسمائه الحسنى، التي هي من أمهات القاعدة الإيمانية. تعريف للناس بربهم، رب السماوات والأرض وما بينهما، وإثبات لوحدانيته، وهو المحيي المميت رب الأولين والآخرين. بيان فضل الليلة التي أُنزل فيها القرآن، أي ابتدئ إنزاله، وهي ليلة القدر. وذكر جملة من دلائل الوحدانية، وتأييد الله من آمنوا بالرسل. الحديث عن القرآن وموقف الكافرين منه إبان التنزيل، وإصرارهم على الشك في القرآن، وتلهِّيهم لاعبين بأمور دنياهم، وتحذيرهم من عقوبات تلجئهم إلى الوعد بالإيمان، إذا كشف الله عنهم العذاب، لكنهم لا يَفون بوعدهم، بل ينقضونه، ويتمادون في غيهم، وأخيراً ينذرهم الله بأن يبطش بهم بطشة كبرى منتقماً منهم. بيان أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر، فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع؛ إيقاظاً لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية؛ ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده. ضَرْبُ المثل بأمم قد خلت، عصوا رسل الله إليهم، فحلَّ بهم من العقاب ما من شأنه أن يكون عظة لمن بعدهم؛ تفصيلاً بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه، ودون التفصيل بقوم تُبَّع، وإجمالاً وتعميماً بالذين من قبل هؤلاء. بيان موجز عن بني إسرائيل بعد أن أنجاهم الله من العذاب المهين، الذي كانون يعانونه في مصر مستَعْبَدين. تضمنت السورة حديثاً عن شجرة الزقوم في الجحيم، التي يكون منها طعام الأثيم، وعرض مشهدين من مشاهد يوم القيامة: الأول: يتضمن بيان صنف من أصناف عذاب الكافرين المجرمين في الجحيم. الثاني: يتضمن بيان بعض نعيم المتقين في جنات النعيم. خطاب من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بشأن القرآن الكريم، وتيسيره بلسانه العربي المبين، وإلماح ببشارته بأنه منصور بنصر الله له، وبأن المشركين المعاندين مخذولون، وبأن الله سينتقم منهم يوم الدين.