كثير من الصائمين يخرجون من رمضان ولم يغير الصوم شيئا في سلوكهم ولم تتبدّل تصرفاتهم بل بقيت كما هي عليه فصيامهم لا فائدة منه ولا أجر فيه, فصلواتهم وقيامهم مضيعة ومنكراتهم مستمرة فإن لم يزدهم رمضان بعدا عن الله فلم يزدهم قربا منه. إنه الإفلاس الذي ما بعده إفلاس. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس ؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال رسول الله «إنالمفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح في النار». قد يظنّ كثير من الناس أن المفلس من ليس له مال أو من قلّ ماله أو من فقده بسبب مصيبة حلّت به وليس هذاهو حقيقة المفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينتهي إفلاسه بثروة جديدة كوّنها بعد ذلك في حياته وإنما حقيقة المفلس هوالذي تؤخذ حسناته لغرمائه فإذا انتهت حسناته أُخذ من سيئاتهم فوضعت عليه ثم أُلقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه. هكذا يتصرف كثير من المسلمين اليوم فتجدهم لا يقيمون للأخلاق وزنا ولا ينقادون إلى أوامر الدين ولا نواهيه متبعين شهواتهم ونزواتهم والأدهى والأمر في ذلك أنهم يقومون بفرائضهم الدينية من صلاة وصوم وحجّ وزكاة, ولكن هيهات ثم هيهات فما تنفعهم صلاتهم ولا صيامهم ولا حجهم ولا زكاتهم ما لم تغير من سلوكهم, فالقلوب التي خَلَتْ من التَّقوى هي خراب بلْقع لا صيام ينفع ولا قيام يشفع . جاء رجل إلى رسول الله فقال له :يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك فقال له عليه الصلاة والسلام ( قل آمنت بالله ثم استقم ) مسلم. إن جملة العبادات التي فرضها الله تعالى على الناس لها مقاصد وغايات نفعها يعود أولا وآخرا على الإنسان لأن الله غني عنها قال تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ الحج /37 . ولذا كان الصوم من أعظم العبادات التي لها تأثير كبير على المسلم وحتى لا نخرج من رمضان مفلسين خاسرين فإنه لا بدّ من أن نتشرّب كل معاني ومقاصد الصوم التي جاء بها الشرع وأن نستبطنها ونتمثلها في سلوكنا وتصرفاتنا وأن نلتزم بكل هذه المعاني والمقاصد ونعكسها بصورة عملية في مواقفنا وسلوكنا بذلك نكون قد استفدنا من صيام رمضان وربطنا الأقوال بالأفعال وتجنبنا الإفلاس الذي حذرنا منه الرسول الكريم.