يدور حديث عن عودة قريبة منتظرة لمسار قرطاج 2. وهو حديث يوفّر قدرا كبيرا من الطمأنينة والارتياح في وقت يشهدُ ارتفاع منسوب الضبابيّة والغموض في الحياة الوطنيّة وتزايد وقع الإشاعات بشكل غريب. ومنها الخطير الذي يمس الأمن القومي وسلامة الدولة والمجتمع ويهدّد الاستقرار العام في البلاد، إضافة إلى استمرار الإكراهات المسلّطة على المواطن، من تردّي مقدرته الشرائيّة وظروف المعيش اليومي وتفشي مشاعر اليأس والإحباط وشعور متزايد بتراجع مناخات الأمن العام، وما تُجابهه المالية العموميّة من ضغوطات قاهرة وما تعرفهُ منظومة الاقتصاد الوطني من مؤشرات سلبية عديدة. لقد دأبت الأطراف السياسية والاجتماعيّة في تونس منذ قيام الثورة على تفعيل مبدإ الحوار لفضّ الاختلافات والتفاعل مع مختلف الأزمات، وربّما في استدامة هذا الحوار تكمنُ فرادة النموذج أو الاستثناء التونسي الذي تمكّن من مغالبة تحديات صعبة ومعقّدة جدا تداخلت فيها عوامل دولية واقليمية ومحليّة، ومرّات حتى قبلية وجهويّة. ونجح في رسم ملامح اجتماع بشري، عربي إسلامي نادر، يؤشر الى آفاق من الحريّة والتعددية واحترام حقوق الإنسان وتأكيد عدم تعارض الإسلام مع قيم الديمقراطية والحداثة. اليوم ومنذ تعليق جلسات قرطاج 2، ثبت بالمكشوف أنّ التباعد مدخل الى تغييب الثقة وازدياد الشكوك وكثرة الأحقاد وصعود للتنافر ورغبات تصفية الحسابات والبحث عن ربح نقاط على المنافسين. وفي كلّ هذا أوشكت الإشاعات أن تكون واقعا وحقيقة على الرغم من أنّ مضامينها غير قابلة للتصديق العقلي. ولا هي منسجمة مع روح المنطق. ومن المؤكّد أنّه بقدر ما سيتأخر الحوار بقدر ما ستتضاعف المخاوف والهواجس وبقدر ما ستختلط أوراق المشهد السياسي أكثر فأكثر وبقدر ما ستزيد الأزمة السياسية تعفّنا واختناقا وبقدر ما ستصعبُ مسالك إيجاد الحلول وتزدادُ تعقيدا وتركيبا. لذا فإنّ الحديث عن عودة الحوار، حديث مطمئن دونما شكّ. ففضاء وثيقة قرطاج يبقى الفضاء الأمثل والأفضل حاليا لوقف مظاهر التداعي المختلفة من تصفية للحسابات الضيقّة وأنانيّة ومُكابرة وغرور وركوب البعض أهواء المغامرة. إنّها مرحلة صعبة مليئة بالتحديات والإكراهات والأمل في أن لا يتسبّب اختلاف الرؤى حول مستقبل الحكم في تونس في علاقة بالمواعيد الانتخابية العامَّة القادمة في حدوث فتن بين التونسيّين، وعلى السياسيّين أن يعوا جيّدا خطورة ما قد يؤدي اليه الاندفاع غير المدروس والطموح الجارف لبلوغ كراسي السلطة وما قد تتسبّب فيه المنافسات غير النزيهة المرتهنة إلى أجندات الغير من تدمير للممارسة السياسية الديمقراطية في بلادنا وتهديد لمستقبل بلادنا ومستقبل الأجيال القادمة. إنّ وضع بلادنا ما يزال هشّا على أكثر من صعيد، والحاجة ما تزال موجودة بل ضروريّة الى استعادة مسار الحوار المسؤول والناجع بما يُسهم في تبديد المخاوف وضبط أولويات البلاد العاجلة والتوافق حول مستلزمات إنقاذ الوضع وإنهاء الأزمة السياسية قريبا جدا.