المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    قبل الهجوم الصهيوني الوشيك ...رفح تناشد العالم منعا للمذبحة    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الدكتور سامي بن عامر ل «الشروق» - أي خطاب حداثي خارج الهوية سيندثر
نشر في الشروق يوم 28 - 01 - 2013

«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الدكتور سامي بن عامر وهو فنان تشكيلي وأستاذ تعليم عال بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس حاصل على إجازة في الفنون التشكيلية بالمعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس وعلى دكتوراه مرحلة ثالثة اختصاص فنون تشكيلية وعلى التأهيل الذي قدم رؤيته لعدد مهم من القضايا والمسائل ذات الصلة بالثورة والفن وحرية التعبير والمقدس والفنون التشكيلية والهوية وعلاقة الغرب بالشرق.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله والمفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح واعلية العلاني وجمال بن طاهر وجمال الدين دراويل وكمال عمران وجمعة شيخة والدكتور ابو لبابة حسين ومحمد حسين فنطر ومحمود طرشونة ومحمد كمال الدين قحة وجلول عزونة الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات وبامكان السادة القراء العودة الى هذه الحوارات عبر الموقع الالكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.

انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و»تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
news_khaled@ yahoo.fr

حسب قراءتكم وتقييمكم ماذا تحقق في تونس بعد عامين من الثورة ؟

لعل أول شيء يجلب انتباهنا بادئ ذي بدء، هو أن الشعب التونسي منذ 14 جانفي 2011 والى حد اليوم، لم تتسنّ له فرصة الاحتفال بثورته. هذه التي انطلقت مندفعة وتلقائية طالبة الحرية والكرامة والشغل والتي استطاعت ان تزيح فجأة نظام الاستبداد كما استطاعت ان تؤثر وبطريقة سريعة على الخارطة السياسية في المنطقة العربية محدثة ما نعرفه من تغيرات طالت ليبيا ومصر واليمن وسوريا، والتي صفق لها الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية وهلل لها الغرب ناعتا إياها بالربيع العربي. فرغم كل هذه النجاحات فان التونسي بقي يسكنه هاجس القلق أمام ما يشهده من تطورات وتداعيات هذه الثورة التي تبين وبطريقة متدرجة، أنها بصدد الخروج عن طريقها والابتعاد عما رسمته من أهداف.

ولعل الانتخابات التي عرفناها في 23 اكتوبر 2011 ، كانت اللحظات الوحيدة التي شعر فيها التونسي بنخوة الحرية والكرامة والمواطنة. كان يوما مشهودا تسارع فيه التونسيون لأول مرة في تاريخهم ليساهموا في بناء ما حلموا به منذ عقود، وهو دولة قادرة على تحقيق هذه القيم: الحرية والكرامة والتشغيل والتنمية، والتي طالبت بها جل شرائح المجتمع بعد أن فرضتها الجهات المهمّشة و كل أطياف شبابنا لتتبناها بعد ذلك الأحزاب السياسية.

وصحيح انه لا احد كان مهيّأ لمثل هذا التحول المفاجئ سواء كان من السياسيين او المثقفين او غيرهم. الا انه كان مناسبة مكنت كل التيارات التي كانت خامدة زمن نظام الاستبداد من الظهور، كما مكنت كل فرد من التعبير بكامل حريته. فعرفنا اليسارييين بأطيافهم والإسلاميين في مختلف تعدد مذاهبهم والوسط والوسط اليميني والوسط اليساري. وتعددت الأحزاب وتكاثرت، كما تعددت الآراء والخطابات السياسية فاستمعنا الى خطاب يدعو الى الحداثة والى اللائيكية او العلمانية وآخر يتمسك حصريا بهوية عربية اسلامية وبمرجعية دينية تستمد قيمها من الشريعة. لقد أفضت هذه الثورة في بدايتها، إلى جلبة لم يستطع التونسي العادي ان يفرز من خلالها خطابا واضحا يكون قادرا على فهمه.

وأتت نتائج الانتخابات ليوم 23 اكتوبر 2011 لتربك دعاة الحداثة. فقد فشل خطاب الحداثة وانتصر خطاب الهوية. وحسب رأيي، فشل دعاة الحداثة ، لأنهم قد أغدقوا في المراهنة على ما يمكن أن يكون موضع خلاف يفصلهم عن الآخر. فأنهكوا جهودهم في المحاسبات الآلية والجماعية. ورفعوا شعارات حداثية لم تجد صداها لدى الشرائح العريضة في مجتمعنا لعدم تناسبها مع مخزونهم الثقافي والديني، مما غذى الشعور بالنفور إزاء أطروحاتهم. وأيضا لان خطاب الحداثة نفسه قد يذكر بالخطاب الذي سبق أن استهلك زورا من قبل النظام السابق، وأفضى إلى الاستبداد والسيطرة على الفرد.

وان انتصر خطاب الهوية، فلأنه الأقرب إلى عامة الشعب الذي تبين انه في حاجة، في ظل التحولات العالمية والإقليمية والوطنية الراهنة، إلى إشارات استدلال تضيء طريقه. فالشعور بالانتماء يمثل أحسن وقاية وحماية يعود لها الفرد في أزماته. ولقد تفطن لذلك الإسلاميون. كما تفطنوا إلى أن التأكيد على الخطاب الديني والتطرق إلى جزئياته، قد يفضي إلى طريق مسدود لأنه ينمي الخلاف مع الآخر. فركزوا في برنامجهم الانتخابي على ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وعلى ما يمكن أن يصل ولا يفصل.. والنتيجة هو أن هذه الوضعية قد أفضت إلى صالح انتخابات قد لا تراهن على مستقبل حداثي. فخطاب الإسلاميين رغم ما تضمنه في تلك الفترة من وعود حداثية، بقى أساسا خطابا دينيا متناقضا في جل المناسبات مع أسس الحداثة والمجتمع الديمقراطي.. ولم نكن نعلم (والى حد اليوم) ما ستفضي إليه التجاذبات بين مصلح ومتشدد، داخل حزب الإسلاميين أنفسهم.

وكان على الحداثيين الوعي بضرورة مراجعة أنفسهم، وتقييم أخطائهم والنظر إلى واقعهم بكل موضوعية. وتجميع الصفوف، والتخلي عن الخطاب المغرق في الأكاديمية والشعارات الحداثوية الفضفاضة التي لا تتناغم مع واقعنا. علما وانه قد تبين أن أي خطاب سياسي حداثي يصاغ خارج مسالة الهوية قد يتهادى ويندثر في مجتمع ترعرع على قيم أخلاقية ذات جذور عربية إسلامية بالأساس.

الى ماذا أوصل هذا التباين وتعدد الرؤى؟ أليست له مخاطر على المجتمع ؟

هذا الاختلاف في الرؤى، أفضى إلى تقسيم المجتمع التونسي بين مناصرين للحداثة وآخرين للهوية الاسلامية، متسببا في توتر طبع علاقات أفراد المجتمع بأسره، إلى حين أصبح الحديث عن الشريعة وعن المذاهب الدينية وغير ذلك من المواضيع الدينية التي لم تكن في الحسبان الشغل الشاغل بالنسبة للرأي العام. وهو ما جعل الحديث عن التنمية والشغل يتقهقر ويختفي.

سألتني ماذا تحقق في تونس بعد عامين. أواصل إجابتك، إن ما تحقق هو أن الثورة قد حادت عن مسارها. وقد نقبل بان مسألة التنمية والتشغيل هي من المسائل التي تتطلب متسعا من الوقت، إلا انه ما أصبح ملفتا للانتباه، هو ان الاهتمام قد حول بالكامل نحو تحركات المجموعات السلفية والتي أصبحت تنادي بمسألة الأسلمة في مجتمع هو مسلم بطبيعته، كما تجاسرت على العلم التونسي وعلى الفنانين والإعلاميين وزرعت البلبلة في المدارس واكتسحت سفارة الولايات المتحدة الامريكية ودمرت بيوت الأولياء الصالحين الذين يمثلون جزءا من الذاكرة الوطنية و غير ذلك من الممارسات القمعية والغريبة التي أفزعت أفراد المجتمع التونسي. وان ما يزيد في الطين بلة، ما نسمع عنه في الإعلام حول الأسلحة التي أصبحت متفشية في البلاد التونسية، وحول تمركز الجماعات الدينية الجهادية في «مالي» والذي من شأنه أن يمثل تهديدا لاستقرار كل دول المغرب العربي.

وأمام هذا الصمت إزاء مستحقات الثورة ، تحركت الجهات المهمّشة من جديد، مذكرة بحقها في التشغيل والتنمية والكرامة. وتكاثرت الاعتصامات وتعددت الاضطرابات فزاد من حجم الأزمة، وتبادلت التهم بين الحكومة والمعارضة. إذ ترى الأولى أن هذه الاحتجاجات والاضطرابات هي المتسببة في عرقلة الشروع في تطبيق مشروع التنمية، ويرى الطرف الثاني أن الأزمة سببها تغافل الحكومة عن هذا الملف الأساسي وتركيزها على مسائل لا صلة لها بشعارات الثورة.
تلك هي الوضعية الحالية التي نعيشها اليوم، وهي ليست مدعاة للفرح. بل هي فعلا وضعية تنبؤ بمستقبل مظلم سيدخل البلاد في مستنقع خطير اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحتى ثقافيا.

أين يكمن الحل حسب رأيكم؟

يكمن الحل في أن يعي السياسي، وخصوصا من في السلطة الآن، بخطورة الوضع هذه وذلك بتغليب مصالح البلاد والعباد على المصالح الحزبية الضيقة. أقول هذا إشارة لعديد الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة الحالية والتي كان لها الدور الأساسي للوصول إلى هذه الحالة المتردية. ولعل أهمها:

مواصلة الإقرار بحتمية الشرعية الانتخابية والتصرف وفق ذلك من خلال قرارات تسعى إلى تغيير الهياكل الإدارية وتسييسها والسيطرة على المناصب الإستراتيجية للدولة في مرحلة هي بالأساس انتقالية ومؤقتة. وان لا احد يستطيع أن ينكر أحقية هذه الشرعية الانتخابية، إلا أنها غير موائمة لواقع أصبح بطريقة جلية غير قادر على استساغها وقبولها. فقد مثل عدم اعتبار هذا المعطى الواقعي، خطأ كبيرا، كان سببا هاما في إرباك الحياة السياسية في بلادنا منذ 23 اكتوبر 2011.

انهيار هيبة الدولة الناتج عن مواقفها السلبية والحيادية إزاء تجاوزات الجماعات السلفية واعتمادها العنف في عديد المرات. إضافة إلى غض النظر أيضا على ما سمي برابطات حماية الثورة والتي نصبت نفسها ناطقا رسميا للثورة، معتمدة في تحركاتها ممارسات تعسفية نعرف نتائجها، مثل ما حدث في تطاوين أو في ساحة محمد علي أمام اتحاد العام التونسي للشغل.
عدم الإسراع في كتابة الدستور وبالتالي عدم احترام الاتفاق المسبق الذي أعلن عنه قبل إجراء الانتخابات والقاضي بان يكتب الدستور في خلال سنة واحدة.

وان الحل للأزمة الخانقة التي نعيشها اليوم، يتمثل في تجاوز كل هذه الأخطاء وقبول بخصوصية هذه المرحلة التي هي بالأساس مرحلة انتقالية وبخصوصية هذه الحكومة على كونها مؤقتة. مثل هذا الموقف يفضي إلى القبول بحتمية مبدأ الوفاق الذي يفسح المجال للجميع للمشاركة في الحياة السياسية دون أي إقصاء، وفسح المجال لحكومة تكنوقراط، مما يساعد على تهدئة الأوضاع واستغلال كل الطاقات البشرية الوطنية التي تعج بها بلادنا، وإتمام كتابة الدستور بطريقة توافقية، والشروع في وضع برامج استراتيجية تنموية خدمة لمتطلبات الثورة. وكذلك إعادة الهيبة للدولة وهي مسألة جد هامة والقادرة على توفير الأمن للبلاد. كما يفضي هذا الموقف إلى إيجاد الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات المقبلة، بعد أن يتم تحديد أجندة واضحة لها وفي أقرب وقت.

لكن يبقى السؤال مطروحا، الى أي حد يستطيع الإسلاميون تجاوز تبايناتهم الداخلية داخل حزبهم وترجيح كفة الاعتدال والتصدي للتيارات المتطرفة والانخراط في المقابل في الحياة السياسية في إطار ما يحتمه العمل الديمقراطي والدولة المدنية؟ سؤال وان أكده ايجابيا بعض قادة الإسلاميين، إلا انه ما زال يغمره اللبس والغموض وذلك لازدواجية الذي ما زال يتصف بها خطابهم.

كيف تنظرون الى مستجدات الساحة العربية في ما بات يعرف بربيع الثورات العربية ؟

إن ما يسمى بربيع الثورات العربية، هو نتيجة لوضعيات سياسية متشابهة طبعت هذه الدول العربية واختصت ببعدها الاستبدادي. فسواء كان في تونس او ليبيا او مصر او اليمن وهي البلدان التي تمت الثورات فيها وانتهت بتغيير حكامها، فان الأنظمة السياسية التي حكمت فيها قد خلقت قطيعة مع شعوبها جراء خنق الحريات والاستبداد بالرأي وتقسيم غير عادل لثروات البلاد. و لعل هذا يمثل بالطبع عاملا أساسيا ومباشرا لهذه الثورات. إلا أن هذا العامل الداخلي ليس المحدد الوحيد. إذ أن هنالك عوامل أخرى خارجية تسببت أيضا في اندلاع هذه الثورات وهي مرتبطة بأجندات لبعض بلدان العالم الغربي في هذه البلدان العربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبعض بلدان الخليج العربي كقطر والسعودية والتي قد تتقارب مصالحها فيما بينها وقد تختلف. فما يحدث في المنطقة العربية هو جزء من مشهد جيوسياسي اقتصادي واستراتيجي إطّبع بتجاذبات اشتدّت حدّتها منذ أحداث 11 سبتمبر الأخيرة، في زمن اتصف بعولمة تسعى إلى رفع الحدود الاقتصادية بين بلدان العالم واختص بظهور تكتلات جديدة دولية أصبحت تتنافس في ما بينها في تقسيم العالم. وانه وفي خضم هذا المشهد المعقد، لا يمكن الحديث عن ربيع للثورات العربية دون تحقيق استقلالية القرار السياسي لهذه البلدان العربية الثائرة، وهو شرط أولي، ودون ضمان مطالب شعوبها والمتعلقة بتحقيق الحرية والكرامة والشغل والتوزيع العادل للثروات. وهذه معادلة ليست هينة، الا انها تصبح مستحيلة عندما تكون المناخات السياسية لهذه البلدان غارقة في الانقسامات والتوتر.

الى اين تسير الأوضاع في اعتقادكم ؟

أتمنى أن تسير الأوضاع كما بينت سالفا إلى الوفاق بين الأطراف السياسية الفاعلة وخلافا لذلك فان ما ينتظرنا أراه مخيفا ومرعبا. فلا شيء اخطر من التطرف والاستبداد بالرأي خصوصا حين يصبح هذا الرأي مرتبطا بالمعتقد الديني الذي يفصل بين الأشياء انطلاقا من كونها حلالا أو حراما. وهو ما من شانه أن يحيلنا إلى صور قاتمة سبق أن شاهدناها في أفغانستان وفي العراق مثلا. نؤكد على هذا في اللحظة التي أصبحنا نستمع فيها إلى تحركات لجماعات متطرفة تنطلق من مالي لتركز عملياتها في البلدان المغاربية. وحسب المحللين المتخصصين في المجال فان هذه الأزمة لن تكون سريعة الزوال بل ستستقر في المنطقة لفترة طويلة. ولو حدث ذلك فان ما عشناه يصبح بعيد البعد عن كونه ربيعا. بل إنها عودة الأنظمة الدكتاتورية في شكل أكثر ضراوة وقسوة.

ماذا عن الاستقطاب العلماني الاسلامي في تونس ؟

قبل الانتخابات التي حصلت في 23 أكتوبر 2011 تكونت عشرات الأحزاب بمختلف اتجاهاتها السياسية. وكنا ننتظر منها في حملاتها الانتخابية للترشح للمجلس الدستوري، خطابا يفسر تصوراتهم لهذا المجلس وللدستور. إلا أن الخطاب كان مركزا على آفاق التشغيل والتنمية وسعر الخبز ومجانية التنقل من خلال اسلوب غلب عليه الطابع الدعائي والمغالاة في الوعود. فاختل الفهم وعم الغموض لتنافر المقال مع الهدف الذي نظمت له هذه الانتخابات. أما اليوم فالوضعية مغايرة في الشكل، إلا أنها متشابهة في المضمون. ففي اللحظة التي يتطلع فيها التونسيون للتعرف على البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الأحزاب المختلفة استعدادا للانتخابات القادمة، برزت مسائل جديدة فرضتها كما بينا سالفا تحركات الجماعات الدينية المتطرفة، فتم التغافل على تقديم هذه البرامج والتركيز على هذا المد الديني في المجتمع التونسي. وأمام عجز السلطة الحاكمة على التصدي لها وكذلك أمام ما أظهرته من انحياز لبعض هذه الممارسات، بدأ هذا الاستقطاب العلماني الإسلامي يتطور شيئا فشيئا. وهو نتيجة لهذه الوضعية السلبية التي سبق ذكرها. واني أرى أن هذا الاستقطاب ايجابي في مرحلة أولى، ما دام الإسلاميون المتقلدون للسلطة لم يتبرؤوا بطريقة واضحة وعلنية وفعلية من هذه الممارسات التعسفية التي تحدثها الأطراف الدينية المتطرفة في البلاد بطريقة تكاد تكون يومية. إلا أن هذا التقسيم لا يمكن أن يعتمد على مدى طويل، لان الكتلتين في حد ذاتهما تتكونان من بعض الأطياف المختلفة والتي تطرح مشاريع مجتمعية وسياسية مختلفة، أكيد أن الأيام القادمة ستفصح عنها.

هل هناك مخاوف على الفن في تونس ؟

نعم. هناك مخاوف وهذا لا شك فيه. فالهجمات المتكررة على الفنانين وخصوصا على الفنانين التشكيليين من طرف المجموعات السلفية خلال السنتين الفارطتين قد بينت أن البون شاسع بين رؤيتي الطرفين، لا سيما في تعاملهما مع الزمن.. فالفنان ينشئ فعله في الزمن الحاضر أما السلفي فهو يلجم الفعل عموما في زمن سابق ومحدد. الأول يتعامل مع الزمن كحدوث وصيرورة والثاني كمرجع تاريخي ثابت. إن الفن بالأساس يتناقض مع التطرف والدغمائية والكليانية.

ولعل هذا هو مصدر الخلاف وأساس الصدام الذي حصل في بلادنا وخصوصا ما حدث في معرض العبدلية في افريل 2012 والذي تمت مهاجمته من طرف جماعات من السلفيين بدعوى ان ما قدّم فيه يعد مساسا بالمقدس. والواقع مختلف. فما أشعل نار الفتيل هي صور تم نشرها عنوة على صفحات المواقع الاجتماعية ونسبت لهذا المعرض كصورة البراق التي تبين أنها ليست من ضمن الأعمال المعروضة. أو صورة النمل والتي تبين أن شكلها محرف بالنسبة إلى ما هي عليه في الواقع، فصورة التلميذ الذي تهيأ لنا فيها ان هذا الأخير يشنق بحبل رسم بأشكال تمثل النمل، والتي تشكل بدورها كتابة نقرأ فيها جملة سبحان الله، ليس هي نفسها في الواقع. فالصورة الأصلية مختلفة اذ ان النمل لا ينطلق من رقبة التلميذ بل من محفظته ليصبح مرتبطا بمعنى العمل والاجتهاد. وما زاد في الطين بلة ما ذهب إليه احد الأيمة والذي دعى الى إهدار دم احد الفنانين لمجرد تقديمه لصورة كاريكاتورية لأحد الوجوه السلفية التي انتشرت في المواقع الاجتماعية. إضافة إلى مقاضاة بعض الفنانين وإصدار تهم خطيرة ضدهم. ونظرا لان مثل هذه الممارسات لم يتم التصدي لها ومعاقبتها، تبقى مخاوفنا على الفن شرعية ولها مبرراتها.

هل تضعون انتم ضوابط للفن والإبداع ؟

ان العملية الابداعية، هي بالاساس تمرين للحرية. و إننا إذا رفضنا هذه الحرية فإننا بذلك نمنع خيالا إبداعيا نابعا من الطاقة الإبداعية الكامنة في الفنان. لذلك فان الاعتراف بحرية الفنان يفضي إلى إعطاء القيمة للذات البشرية وللقيم الإنسانية العميقة فيها.

وأكثر من ذلك، فان تدريس الفنون التشكيلية اليوم في مدارسنا الاعدادية والثانوية انطلاقا من المبادئ التعليمية المعاصرة، أصبح لا يكتفي بتعليم مهارات يدوية محددة ، بل اساسا بمعرفة مرتبطة بحب التطلع والرغبة في الفهم من خلال غزو المجهول أين يكون تلمس الذات وحق الخطأ مسموح بهما ، مما يجعله يتحول الى تمرين للتسامح والحرية الذي يحبط الأنانية والعصبية والتطرف. فمساعدة التلميذ على بناء معرفته، الاعتراف بإمكانياته الفكرية المخالفة وحثه على صقل ابداعيته ومزيد العطاء والعمل على الإصغاء إلى مقترحاته حتى ولو كانت غريبة، تفضي بنا إلى قبول الفرد المخالف. أليس الفن نابع من الأنا؟ أليس الإبداع هذا الغريب المكتفي بذاته الذي يحيرنا باختلافاته؟ إننا إذا رفضناه فإننا نرفض الآخر وبالتالي نمنع خيالا إبداعيا نابعا من الطاقة الإبداعية الكامنة في التلميذ. مثل هذا التمشّي يفضي بنا إلى إعداد مجتمع يكون الفرد فيه واع بخصوصياته، مما يمكنه من الانفتاح على الآخر وقبول الرأي المغاير.

لكن ماذا عن إشكالية حرية الإبداع والمقدس ؟

انه من الثابت أن المس بالمقدس، كمس الذات الإلهية أو الرسول عليه السلام أو القرآن الكريم، هي أشياء تعتبر في مجتمعنا الإسلامي ضرب من الخطوط الحمراء التي لا مجال لتخطيها. وهي من بين المكونات الأساسية التي تصنع هوية التونسي الباحث اليوم عن إشارات استدلال تضيء طريقه في خضم هذه الأزمات الكونية والوطنية التي نعيش فيها.. لذلك فان المس بهذه الأبعاد الروحية والعقائدية وخصوصا في هذا الظرف الحالي، قد يفضي إلى طريق مسدود من شانه أن ينمي الخلاف مع الآخر ويعصف بالوحدة الوطنية التي قد تخدم أجندات أجنبية هي تعمل على تغذيتها، وحدة نعتبرها مسالة جوهرية وحياتية لنا. نفس الشيء بالنسبة لمن اتخذ من نفسه وصيا على الإسلام ليجعل منه آلية تخدم مشروعه السياسي المتطرف والذي يفضي بنا إلى مسلمات سياسية واجتماعية خارج إطارها الزمني والجغرافي. نقول لهؤلاء: إن أردتم الحوار فأهلا. لكن حوار الفكر لا حوار الهراوات،وان حصل الصدام فلانة أيضا لم يطرح مثل هذا السؤال سابقا. فهو من المسكوت عنه. انه بمثابة ما يندرج ضمن ما يسمى بالمحضور. واني شخصيا لم ار فيما حدث في تونس أي مس بالمقدسات.

لذلك فان ما يحدث من حرب كلامية قد يمكن اعتباره كسر لجدار الصمت، كسر ضروري وقد يكون نافعا، اذ يمكن ان يفضي إلى تعديل عقارب ساعتنا. لذلك فانه من الواجب أن نعطي للزمن زمنا، وان نفسح للنقاش مجاله، لتتفاعل الرؤى في ما بينها وقد تختلف وقد تتوافق. وانه من الثابت أن التونسي المتشبث بهويته من جهة وغير المتنازل على حريته الفكرية والإبداعية من جهة أخرى، قادر من خلال خطاب نقدي وفكر نير متحرر ومتفتح ، على التعامل مع هذا المفهوم الزئبقي. ويبدو أن التوافق هو من شيم التونسي الذي بين في كل المناسبات انه شعب وسطي يجذب التطرف ويرنو إلى الحوار. ألا يمثل هذا الحل الأوحد؟. لذلك فان الإسراع في المجلس التأسيسي لوضع قوانين محددة لمسالة المقدس، مسالة ارفضها شخصيا لان ذلك يعتبر تحنيطا لهذا المفهوم الغامض وإغلاقا لحدوده، واستباقا لكل حوار ووفاق ممكنين، وقد تكون نافذة من خلالها نشرّع التكفير.

البعض يطرح أزمة هوية للمجتمع التونسي في مرحلة ما بعد الثورة ؟

تطرح مسالة الهوية بإلحاح غالبا في الفترات الصعبة التي تمر من خلالها المجتمعات. ولعل هذه الفترة التي نعيش فيها اليوم هي من أصعبها، إذ أنها أصبحت تنذر باضمحلال خصوصيات كل مجموعة اجتماعية، وخصوصيات كل فرد منتم لنفس المجموعة لفائدة عولمة تعمل على تجنيس الذائقة ، فأصبحنا نقبل على نفس اللباس ونفس الحذاء ونفس الأكلة ونفس المشروبات ونفس السجائر.. زمن أصبح فيه أطفالنا، المتابعون لجهاز التلفاز والمتعلقون به، يطمحون إلى ارتداء ما يعرض من ملابس وأحذية، من خلال الومضات الإشهارية الآتية اليوم من كل صوب، والتي تكاثف بثها بسبب وسائل التواصل التي من انفكت تتطور أكثر فأكثر. ومضات إشهارية تؤثر على حواسنا، وتأخذ بعين الاعتبار ما سموه الخبراء بالتقارب الثقافي للمستهلكين. إن التبادل التجاري عبر القارات الهادف إلى دفع الاستهلاك الجماعي، يعمل على توحيد ثقافي عالمي مبني على قيم اقتصادية، وذلك من خلال تجنيس النمط الكوني والذائقة البشرية وطرق تفكير عامة البشر، مما قد يحول الفرد إلى متلق بسيط وسلبي و يعرضنا إلى هيمنة ثقافية تخدم سلطة الشركات المتعددة الجنسيات. إنها العولمة وتحدياتها اليوم. فهل أصبح العامل الاقتصادي والتكنولوجي اليوم، الآلة التي تستبدل الذات البشرية، والتي من المفروض هي مصدر المعنى ومؤسسه؟ ، هل تعتبر هذه التحديات قدر لن يقهر، أم يستوجب علينا مقاومتها وتخطيها؟ ويرى «ليفي ستراس» منذ 1980 «أن الإنسانية تستقر اليوم في ثقافة أحادية، وهي تتهيأ لإنتاج حضارة جماعية مثل البنجر. فالأكلة اليومية ستقتصر على هذا الطبق».

إن ما نقرأه اليوم في ضل هذه التحولات الخطيرة، هو تهديد لكل ثقافات الشعوب المعبرة عن خصوصياتها، والمترجمة عن الذات البشرية الحالمة والمبدعة والمؤسسة لإنسانيتها. ومن هذا المنطلق تطفوا مسالة الهوية ودورها في هذا المنعطف التاريخي، العاصف ببشرية الإنسان وبما تفرزه انتماءاته الحضارية المتراكمة.

وما الذي نعيشه نحن اليوم في تونس ؟

لعلنا في تونس اليوم نعيش أهم مرحلة مخاض في البحث عن هذه الجذور وفي طرق تعاملنا معها. فهناك من يرى أن الهوية التونسية هي حصرا عربية إسلامية، ويرى آخرون أنها ضاربة في القدم منذ عهد قرطاج الى عصرنا الحالي مرورا بكل الفترات التي عاشتها بلادنا. وحسب رأيي ان هويتنا جامعة لهذا وذاك. فقد بات من المؤكد أن البعد العربي الإسلامي قد طبع شخصية التونسي عموما، إلا ان ذاكرة هذا الأخير تبقى أيضا نتاجا لكل المراحل التاريخية التي مر عبرها. غير أن السؤال الأهم والذي وجب طرحه في هذا المجال، هو طريقة تعاملنا مع هذه الجذور وفهمنا لها. وهل الهوية نقطة انطلاق ثابتة ام نقطة وصول؟ وهل يمكن التعامل معها خارج مفهوم الزمن وتأثيراته المتحولة؟ أرى أن الهوية تبقى في بحث دائم عن شكلها النهائي، فهي ثمرة بحث متواصل، غير متناه. وهي تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل. مما يجعل منها صيرورة. وان ثبتت أهمية الذاكرة والعودة إلى الجذور، إلا أن هذه الذاكرة وهذه العودة تتطلب منا قدرة على الإبداع والتغيير والنقد وتفتحا على المعرفة. ففي سنة 1990 ذكر جاك داريدا في محاضرة له حول مسألة الهوية الأوروبية، استشهاد لبول فاليري كتبه هذا الأخير سنة 1939 قبيل الحرب العالمية الثانية والتي كادت أن تفتك بالعالم أجمع :» حتى تكون أجهزة الثقافة فعلا راس مال، تفترض هذه الأخيرة هي نفسها وجود رجالات تكون في حاجة لها، وقادرة على استعمالها يعني رجالات متعطشة للمعرفة وللقدرة على التغيير الداخلي، متعطشة لتنمية حاستهم.. والحال ، يفسر فاليري، أن ما يجعل هذا الرأس مال في أزمة، هو ندرة هؤلاء الرجالات التي كانوا قادرين على القراءة: وهي فضيلة انقرضت، هؤلاء الذين كانوا قادرين على السماع والإصغاء، وعلى المشاهدة وإعادة القراءة وإعادة السماع وإعادة المشاهدة».

لذلك فان تمكين الفرد من الوسائل التي تمكنه من المعرفة والفكر النقدي ليصبح سيد اختياراته ومسؤولا على أفعاله، ومن ممارسة حاسيته بعمق من خلال اعطاء الفن منزلته كاملة، تعتبر الشروط الأساسية لبناء مجتمع يصبح قادرا على التعامل المبدع مع ذاكرته وجذوره مما يجعله منتجا للمعنى لا مسجلا له. مثل هذا التمشي، يفضي إلى إعطاء القيمة للذات البشرية وللقيم الإنسانية العميقة فيها. كما يفضي إلى إعداد مجتمع يكون الفرد فيه واع بخصوصياته، مما يمكنه من الانفتاح على الآخر وقبول الرأي المغاير. هكذا ننسج حتما مجتمعا ديمقراطيا متفتحا وثريا منتجا لمرجعياته الخاصة به ولهويته. مجتمع يصبح توليفا لما تفضي إليه العلاقة التي تربط الفرد بالمجتمع، المحلي بالعالمي، توليف يصبح قوة فاعلة في تأصيل الوحدة الوطنية في مجتمعنا. إن هذه الوحدة تعتبر مناعتنا الكبرى اليوم، التي علينا اكتسابها، للتصدي لمخاطر ما نحن فيه.

وماذا عن مسألة الفن والهوية ؟

قراءة سطحية إلى تراثنا في الفن يعادلها إغرابية موجهة ضد النفس. نفس الشيء بالنسبة إلى العودة إلى الجذور والالتصاق الآلي وبدون شرط بها، والذي يعني انغلاق وانطواء عن النفس، تعصب، حب للذات وإنكار للآخر. ولكي نكون أصيلين اليوم، ألا يستوجب منا أن نكون على معرفة أكثر بتاريخنا وعلى فهم بجذورنا، معتمدين في ذلك، الفكر النقدي القادر أن يحلل ويبرز ويوضح ويختار في النهاية؟ فكل جذر غائص في الأرض، لا يتغذى إلا بما هو حيوي وجوهري والذي يصبح ماء النبات المغذي للشجرة ذات الأغصان المتفرعة. ولكي نكون أصيلين اليوم، هل يمنعنا ذلك من أن نستلهم من الحضارات الأخرى؟

إن الأنا المبدع هو الذي ينظر إلى تراثه وكذلك تراث الحضارات الأخرى من خلال نظرة نقدية استشرافية. فكنه الهوية بالنسبة للمبدع هو العلم بأن هوية المكان قد لا تنحصر في مفهوم الإقليمية الضيقة، بل يمكن أن تتخطى حدود هذه الأخيرة لتشمل مكانا أكبر حيث تتراءى ثقافات أخرى تصبح مصدر إلهام. ولنا في تاريخ الفن التشكيلي أكثر من مثال بدءا بالفن الإسلامي الذي يعتبر نتاجا لحوار عديد الحضارات المتراكمة. أما في الفن الغربي الحديث فلم يقتصر «ماتيس» على تراثه إذ أخذ من الفن العربي الإسلامي مادة لفنه، فوجد في الأرابسك مثلا وفي أشكاله المسطحة والموزعة على الحامل، خير مرجعية يضمن بها الطابع المسطح الذي تميزت به لوحاته، مما يمكنه من التصدي لقواعد المنظور المعتمدة في الرسم التقليدي. كل هذا ضمن تمش خاص به، ومؤسس لقيم جديدة إبداعية معاصرة. كما وجد «كلي» في تونس مصدرا لإلهامه. فتنبه لعامل الضوء ولأشكال المعمار وللرموز التي يوفرها التراث التونسي ، فربط بينها ليصنع عملا فنيا، فتح به مجالات جديدة في البحث التشكيلي المعاصر. والأمثلة في هذا المجال متعددة.

ولكي نكون أصيلين اليوم، هل يستوجب منا بادئ ذي بدء إذا، أن نكون مبدعين، منتجين وباعثين للمعنى، لمعرفة حية، لثقافة حية، دينامية ومتحركة، آخذين بعين الاعتبار، تغيرات حقل المعرفة المتعلقة بالفنون التشكيلية حتى نكون في تناغم مع المتطلبات الجديدة لزمننا الحاضر، فنوسع مجال تجربتنا التشكيلية ونساهم في إعلاء الجانب الروحي فينا على الصعيد العالمي.

إن الفنون التشكيلية تمرين للحرية والتسامح للفرد وممارسة روحية تحبط عالمنا الشديد الانتظام. هدفها، إعطاء القيمة للذات البشرية، للذات المبدعة والمنتجة للمعنى لذات متحولة ومتطورة ودائمة البحث عن شكلها النهائي الذي لا يطال.

حضاريا ، كيف يمكن ان نقيم علاقة العرب بالغرب وما هو افق التواصل بينهما ؟

لقد عرف التواصل بين العرب والغرب انطلاقته منذ قرون خلت. وقد تطور أكثر خلال القرن التاسع عشر من خلال ما أرساه الغرب من علاقات مع البلدان العربية وما قام به من بعثات تستكشف ما فيها من زاد ثقافي وروحي وتاريخي وذلك في إطار ما سمي بالاستشراق. وقد ظهر الاستشراق كمادة علمية انطلاقا من القرن السابع عشر. الا ان اهتمام الغربيين بالشرق أصبح أكثر تطورا في القرن التاسع عشر، إذ ارتبط أساسا بالرومانسية الأدبية. وأكّّد الألماني Von Schlegel في سنة 1800 على البحث في الشرق عن «الرومانسية العليا»«Suprême romantisme».

وما يفسر تطور التيار الاستشراقي في القرن التاسع عشر أيضا، هو اكتساح «بونابارت» لمصر الذي دخل «أبوقير» سنة 1798 وكان مصحوبا بمجموعة من العلماء الذين تمكنوا من رصد ما تزخر به مصر من آثار وكنوز، فنقلوا إلى فرنسا بعضها، كما نقلوا صورا لها، وهو ما شد انتباه الغربيين وأثار فيهم الرغبة في التعرف على الشرق عموما وذلك لما يتضمنه من غموض وغرائبية..
لكن هل استطاع الاستشراقي أن يتفاعل مع الشرق بطريقة تمكّنه فعلا من فهمه والولوج إلى أعماقه ومن صياغة صورة ممثلة له؟

وهل تضمنت هذه الصورة لبعد إيديولوجي يجعلها انعكاسا لنظرة غربية أكثر من أن تكون تعبيرا عن واقع عربي خصوصي؟
ولعل خير ما يمكن الاستشهاد به في هذا الصدد ما كتبه المفكر الأمريكي من أصل فلسطيني «ادوارد سعيد» حول الاستشراق، إذ استطاع أن يزعزع الركائز التي كان يُقام عليها هذا المصطلح. مقدما في كتابه الاستشراق نقدا للطريقة التي تعامل معها الغرب مع الشرق، وبيّن كيف أن الاستشراق هو معرفة تتحول في يد السلطة السياسية إلى هيمنة. كما وضّح أن الشرق لا يُنظر إليه في واقعه الحميمي، بل من منظور غربي مسقط وهو ما يتسبب في حصول الخلط والتحريف. يقول: «.. يمكن وصف الاستشراق بالمؤسسة العامة التي تبحث في الشرق، من خلال بيانات واتخاذ مواقف وإيضاحات، وكذلك من خلال تدريس وإدارة وحكومة: وباختصار إن الاستشراق هو أسلوب غربي للهيمنة ولتغيير بنية الشرق الإدراكية بسواها وللتسلط عليه».

لا شك أن لكتابات إدوارد سعيد أهمية بالغة في فهمنا لاستشراق ولأبعاده الايديولوجية والاستعمارية مما فتح لنا أبوابا مختلفة لإعادة النظر فيه ومواصلة البحث حول هذا المصطلح، لفهم غاياته وحمولاته الايديولوجية والسياسية والعقائدية والاهتمام بجوانبه السلبية والايجابية على حد سواء، بل والاهتمام أيضا بما قد يعوّض هذا المصطلح في زمننا الحاضر من مصطلحات أخرى مماثلة، باعتبار ان صراع الحضارات بيّن أن التحول في التسعينات من القرن العشرين، يسعى إلى خلق إيديولوجيات جديدة معوّضة، تعتبر مسائل في أشدّ الأهميّة . ايديولوجيات نحن اليوم نعيش غمارها في إطار هذه الصراعات الجيوسياسية العالمية وهذه التجاذبات الاقليمية والتي لا محال فان الربيع العربي جزءا منها.

لكن معرفة الآخر ضرورة وشرط أساسي للتواصل ولبناء علاقة متكافئة معه. وذلك ما تتطلبه العلاقة التي تربط العرب بالغرب، بل لنقُل، الشمال بالجنوب، علاقة نطمح أن تكون قادرة على تجاوز الأحكام المسبقة وعلى فتح فضاء مشترك للحوار والإبداع المتبادل.

يقول غوتة: «إن من يعرف ذاته ويعرف الآخرين سيدرك هنا أيضا كم ان الغرب والشرق غير قابلين للفصل .»

كيف ترون مستقبل الفنون التشكيلية في البلاد التونسية في خضم التحولات التي تعيشها؟

لقد اتصفت الحركة التشكيلية الحديثة في بلادنا منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين ورغم فتوتها، بدينامكية فكرية بنيت على وقع رؤى فنية مختلفة كانت نتيجة لتفاعلاتها مع إطارها الزمني التي برزت فيه. ولعل انخراطها في الحداثة، كان من أهم المكتسبات والأسباب التي مكنتها من بناء مسيرتها المتنوعة والمنفتحة. ويمكن أن نستشف ذلك من خلال تجارب كل الأجيال المتعاقبة التي ساهمت في بناء هذه المسيرة، بدءا بجيل الرواد، ومرورا بجيل السبعينات والثمانينات والتسعينات، ووصولا إلى جيل الشباب المتزايد من سنة إلى أخرى.

وانه من البديهي أن تطور الفنون لا يقترن فقط بمدى قدرة وكفاءة المبدع، ذلك لأنه شديد الارتباط بتفاعل المحيط مع هذه الفنون. ونقصد بالمحيط أساسا، مجموع المؤسسات التي من شأنها التعريف بالعمل الفني والسعي إلى تحقيق انتشاره في الحياة الاجتماعية وإلى ضمان ديمومته وتوثيقه. فالعمل الفني، شأن جماعي بالأساس. ومن هذا الباب تتحدد قيمة المشروع الثقافي الوطني القادر على تمكين الفنان من تأدية دوره في المجتمع، كأحد المكونات المغذية للثقافة، فهو تعبير ذاتي عن غاية شخصية، تبشير بحرية الفرد وعنوان لإنسانيته، وهو بذلك يصبح معبرا عن ضمير الشعوب ومؤسسا لهويتهم من جهة، ومن جهة أخرى كمنتوج مادي ومحسوس، قابل للمبادلة في السوق، سوق الفن. ولقد أكدت الباحثة الفرنسية «رايموند مولين»، المتخصصة في علم الاجتماع، هذه العلاقة التي تربط العمل الفني بالقيمة المالية قائلة: «لم يكن الفن البتة دون ثمن». ومن هذا الباب يمكن لنا أن نؤكد أن قطاع الفنون التشكيلية لم يلق ما يكفيه من الاهتمام خلال العشريات الأخيرة. وأملنا كبير ان تلقى الفنون التشكيلية العناية الكافية في مرحلة ما بعد الثورة. خصوصا ونحن نعيش اليوم سطوة مركزية الفن والثقافة المتجانسة. فأغلب البحوث المهتمة بالعولمة الثقافية وتداعياتها على السوق الفنية الدولية انتهت إلى نفس النتيجة: إن الشرخ الذي قسم عالم الفن الدولي بين مركز ومحيط، ما انفك يتنامى.

لكن السؤال المطروح اليوم هو كيف يمكن مقاومة مركزية الفن وسطوة الثقافة المتجانسة للوصول إلى المساهمة في بناء فسيفساء فنية وثقافية عالمية؟

لا شك في ان الإجابة تكمن أساسا في مدى قدرة هذه الدول على تحقيق مبدأ الاستثناء الثقافي ومدى حرصها على تحقيق حرية الإبداع واستقلاليته وحماية إبداعات فنانيها، ورفض كل هيمنة إيديولوجية أو دينية عليه. والإسراع في تصور مشروع مستقبلي شامل ينهض بقطاع الفنون وفرض هذه الإبداعات على الساحة الدولية، وتمكنها من صياغة استراتيجية نمو ثقافي قادرة على تطوير وضعية الفنان وموقعه باعتباره يؤدي مهنة فاعلة في المجال الثقافي والاقتصادي على حد سواء، ونجاحها في إنشاء الهياكل والمؤسسات اللازمة لتطوير مشاريع وطنية تضمن التعددية الثقافية. لذلك وانطلاقا من وعي اليونسكو بخطورة تجنيس الثقافة، أيدت في بيانها الدولي في خريف سنة 2001 مبدأ «الاستثناء الثقافي» او التنوع الثقافي، ودعت إلى تبني نظرة إنسانية للعلاقة التي تربط الاقتصاد بالثقافة عامة وبالإبداع بالخصوص، وقدمت يد المساعدة القانونية والتقنية للدول الأعضاء لصياغة مشاريعها الوطنية في مجال تطوير صناعاتها الثقافية، انطلاقا من مبدأ التعددية الثقافية.

وصحيح أن بلادنا تبنت رسميا بيان اليونسكو المتعلق بالتنوع الثقافي، لكن لم تستطع في المقابل بناء الآليات الكافية لسوق فنية متماسكة. فإن اعتبرت الدولة التونسية المساهم الأول في سوق الفن في تونس من خلال ما تخصصه من ميزانية لاقتناء الأعمال الفنية وما تحققه من توفير لبعض الآليات الأخرى، كتخصيص بعض فضاءات العرض أو تنظيم بعض المعارض أو طباعة منشورات.. ، إلا أن هذه المساهمة باتت ضعيفة، ذلك لأنها لا تتضمن برنامجا استراتيجيا متماسكا، إضافة إلى افتقادها لعديد الآليات الضرورية، كغياب المتحف الذي يقتضي أن يكون المرجع والمحدد للقيم الجمالية ونشرها، وتلك وظيفة تعتبر ضرورة أساسية في سوق الفن. فلجنة شراءات الدولة التي بعثت أساسا لاقتناء أفضل الأعمال الفنية بهدف تكوين مخزون المتحف الوطني للفن الحي، قد زاغت عن سيرها منذ فترة طويلة، إذ أصبحت بمرور الوقت وفي غياب هذا المتحف، لجنة تعمل على إرضاء الجميع من محترفين وهواة باقتناء الغث والسمين.

وان يتعين تصحيح مسار هذه اللجنة والمحافظة عليها باعتبارها مكسبا وطنيا، إلا انه يتحتم علينا التفكير في تكوين آليات دعم أخرى بالموازاة لها، كإرساء صندوق للتشجيع على البحث والإنتاج، على غرار ما هو معمول به في قطاع السينما والمسرح، وبعث صندوق آخر للإحاطة بالمبدعين الشباب. أما فضاءات المعارض الحكومية التي يندرج جلها تحت إشراف وزارة الثقافة أو تحت الإشراف المزدوج لوزارة الثقافة والبلدية، فاغلبها مركز في العاصمة. وان وجدت قاعات بدور الثقافة ودور الشباب، إلا أنها لا تستجيب لمواصفات عرض الأعمال الفنية. كما انه من الصعب الحديث عن سوق فنية دون دعم للكتابة النقدية والتي أصبحت عرضة لكثير من الطفيليين. ولعل غياب المجلات المختصة كمجلة «فنون» التي اشتغلت في منتصف الثمانينات لبضع الوقت ثم اختفت، تعد من أهم العوائق في هذا المجال. فالعديد من الباحثين المتخرجين من المعاهد العليا للفنون في أمس الحاجة لمثل هذه الحوامل لنشر دراساتهم العلمية، كما أنهم في أمس الحاجة أيضا إلى مراكز توثيق لم تعرف النور إلى حد الآن، تكون قادرة على توفير المعلومة في قطاع الفنون.

أما التشريعات الضرورية لقطاع الفنون ، فان وجد البعض منها، فإن جلها ينتظر التفعيل كالمرسوم الذي يقضي بتخصيص نسبة تصل إلى 1 % من ميزانية المباني العمومية للتدخل الفني التشكيلي، أو قانون حقوق التأليف المسكوت عنه، وغير ذلك من القوانين التي تتطلب التفعيل والتطبيق أو إعادة صياغة نصها حتى تكون متلائمة مع راهننا. ورغم أن تونس قد أمضت على قانون اليونسكو المتعلق بحرية تنقل الأعمال، إلا أن هذه المسألة باتت عديمة الوضوح في إدارتنا التونسية.

فإدارة الحدود تتعامل اليوم مع العمل الفني كأي سلعة. أما وزارة الثقافة فان رخصها التي قد تمنحها للفنانين الراغبين في التنقل للخارج لعرض أعمالهم، تقتصر على رخص للعرض فقط. ويبقى السؤال الكبير عالقا: ماذا يصنع الملحقون الثقافيون في سفارتنا بالخارج؟ وكم من فرصة أتاحوها للتعريف بفنانينا؟ وكم معرض أنجزوه؟ نطرح هذا السؤال في فترة زمنية غلب عليها الحديث عما يعرف بالشراسة الدبلوماسية. فأين نحن من هذه الشراسة؟

إن يبقى دور الدولة في سوق الفن رغم كل هذه النقائص التي أتينا على بعضها هو الأساسي في بلادنا، فذلك لا يمكن أن يفصح إلا عن ضيق هذا السوق وتقلص المبادرات المتأتية من القطاع الخاص. فبقطع النظر عن بعض المبادرات التي أفضت إلى تكوين بعض الأروقة الخاصة، والتي ما زلنا في حاجة ماسة لنراها منتشرة في كل أرجاء البلاد التونسية، لم نعرف في تونس وإلى حد الآن مبادرات تخدم القطاع وتكون جالبة للانتباه. مرد ذلك قد يعود إلى غموض هذا القطاع وهشاشة مؤسساته، مما لا يساعد على طمأنة المستثمر التونسي وغيره، والذي من المؤكد أن هذا الأخير يعلم أن حاجة الرأس مال للإبداع ضرورية، كما أن اقتران صورة مؤسسته به أمر في غاية الايجابية، خصوصا وان النشاط الثقافي يستقطب الإعلام ويمكن المؤسسة الراعية من الإشهار..

كيف السبيل لإنجاح المسارات الفنية المختلفة في تونس ما بعد الثورة ؟

إن نجاحنا في النهوض بسوق الفن في تونس، مقترن بمدى حرصنا على حماية إبداعات فنانينا، وطاقتنا على صياغة استراتيجية نمو ثقافي قادرة على تطوير وضعية الفنان وموقعه، باعتباره يؤدي مهنة فاعلة في المجال الثقافي والاقتصادي على حد السواء، وعلى تمكننا من إنشاء الهياكل والمؤسسات اللازمة لذلك. وهو ما من شأنه أن يوفر المناخ المناسب للاستثمار الاقتصادي الثقافي. ولا شك أن النجاح يتطلب بالخصوص، حضور مجتمع مدني قادر أن يدفع بالعجلة إلى الأمام وان يفرض ما وجب فرضه خدمة للقطاع وللبلاد.

سياسة الدولة التونسية في هذا المجال ما زالت غير واضحة. أما وضعية المجتمع المدني فهي هشة. نأمل أن تتبلور المسائل وأن تتضافر الجهود وتتوحد، للإسراع في تصور مشروع مستقبلي شامل ينهض بسوق الفن في بلادنا التونسية، فالرهان كبير وانتظارات الفنانين الشباب المتخرج بأعداد كبيرة من المعاهد العليا للفنون، اكبر. كما ننتظر من وزارة الثقافة في هذه السنة التي خصتها للاحتفاء بالفنون التشكيلية من بعث مشروع «أيام قرطاج للفنون التشكيلية» كمبادرة تونسية وطنية تكون محطة سنوية دولية كبرى وفضاء حرا للتبادل الثقافي ، ومؤسسة هامة قادرة أن تتفاعل بطريقة متكافئة مع بقية المؤسسات الأجنبية في مجال سوق الفن، مما يمكنها من التبادل والحوار ومن المساهمة في تطوير قطاع الفنون التشكيلية والتعريف بالفنانين التشكيليين التونسيين المختلفة أجيالهم ومقارباتهم على الساحة الوطنية والدولية كما ننتظر من الجمعيات المختصة كاتحاد الفنانين التشكيليين من السير قدما في تعميق انشطتها والمساهمة الفعلية في توفير المجال المناسب للإبداع. علما وانه ليس ثمة إصلاح ثقافي في بلادنا إن لم يتم من الداخل ومن خلال برنامج وطني متكامل.

من هو الدكتور سامي بن عامر ؟

سامي بن عامر من مواليد 18 /02 /1954 بصفاقس، متزوج وأب ل3 أبناء ، فنان تشكيلي وأستاذ تعليم عال بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس حاصل على إجازة في الفنون التشكيلية بالمعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس وعلى دكتورا مرحلة ثالثة اختصاص فنون تشكيلية، نظري وتطبيقي، بجامعة باريس1 «بنتيون سربون»، وعلى التأهيل الجامعي في الفنون التشكيلية. (جامعة تونس).
سجلت تحت إشرافه عشرات أطروحة دكتورا نوقش بعضها.
انتخب خلال ثلاث دورات متتالية 1999 – 2001- 2004. أمينا عاما لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين حيث أسس بمعية أعضاء الهيئات التي اشتغل معها هيكلة إدارية للاتحاد سمحت بتفعيل دوره على الساحة الثقافية.
تقلد إدارة المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس من 08 جويلية 2008 إلى 1 أوت 2011.
عضو بالهيئة المديرة للمهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس ومستشار ممثل عن المغرب العربي في Artfair TOP 25 بدار البيضاء، المغرب . من 16 إلى 19 نوفمبر 2011

له عديد المعارض الشخصية: 1990: برواق «شيم» بتونس العاصمة. 1991: برواق «الفن الحديث» بصفاقس. 1993: برواق «حياة» بالحمامات.2007: برواق كاليستي. تونس. 2009: برواق الكمان الأزرق .سيدي بوسعيد
كما له عديد المشاركات الدولية: 1992 : بالبيانال اورو آسيوي بأنقرة، تركيا. 1999: ملتقى مسقط للفن التشكيلي العربي. 2003 (سبتمبر): معرض جماعي بكولونيا. 2004 (افر يل): معرض جماعي بكولونيا حول موضوع البورتراي. 2005: (سبتمبر) معرض الجمعية العالمية للفنون التشكيلية ببكين (الصين). 2006: (ماي) البيانالي المتوسطي بقصر خير الدين . تونس. 2007: البيانيل العربي بالكويت. 2008: معرض جماعي برواق الكمان الأزرق، بلندن، بطرابلس، بالقاهرة وبدبي. في ملتقى الخط العربي بالشارقة 2012.. .

له مؤلف بعنوان: «الفنون الجميلة: الاصطلاح وموقعه من الفكر الحديث»، كما له مقالات علمية متعددة نشرت بمجلات مختصة. كما شارك في تأليف أربعة كتب، «دليل المعلم» في مجال تدريس مادة التربية التشكيلية في التعليم الأساسي. ونظم عديد الندوات العلمية في إطار اتحاد الفنانين التشكيليين والمهرجان الدولي بالمحرس ومهرجان الزيتونة بالقلعة الكبرى والمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس. كما شارك في عديد الندوات الفكرية في تونس وخارجها.

كتب كثيرا من المقالات باللغة العربية والفرنسية في عديد من الصحف الوطنية، تبحث في قضايا متعلقة بميدان الفنون التشكيلية. كما أنتج حصة إذاعية «حدث اللون قال» بإذاعة تونس الثقافية. 2006 2008.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.