مع تزايد وتيرة التطورات السياسية المختلفة وما أصبح يرافقها في الأيام الأخيرة من جدل وتجاذبات ومخاطر، يتساءل المتابعون عن مآل تجربة الحكم المحلي التي ستشرع بلادنا في تطبيقها قريبا. تونس الشروق: مع اقتراب موعد الاعلان عن النتائج النهائية الكاملة للانتخابات البلدية يوم الاربعاء القادم 13 جوان، وفي انتظار استكمال الاستعدادات لتجربة الحكم المحلي بانتخاب رؤساء المجالس البلدية وانتخاب أعضاء ورؤساء المجالس الجهوية، تدور لدى الرأي العام تساؤلات عديدة حول مدى تأثر هذا الخيار بالمناخ السياسي السائد حاليا. تقلبات بالجملة تعيش البلاد منذ أشهر على وقع تجاذبات ومناورات سياسية عديدة تخللتها دعوات بإسقاط حكومة يوسف الشاهد مقابل دعوات أخرى الى المحافظة على الاستقرار السياسي في البلاد وذلك ضمن أشغال لجنة اعداد وثيقة قرطاج 2 التي وقع تعليقها بقرار من رئيس الجمهورية . كما تخللتها أيضا تصريحات وتصريحات مضادة وبيانات واتهامات متبادلة بين السياسيين أو بين بعض الوجوه الفاعلة في المشهد العام وتجاذبات إعلامية هنا وهناك . ولم يخل الوضع ايضا من أجواء اجتماعية مشحونة خاصة إثر حادثة غرق مركب المهاجرين غير النظاميين بقرقنة. حيث تعددت الانتقادات للحكومة بسبب ضعف أدائها الذي يدفع بالشباب الى «الحرقة» . وتعددت ايضا التحركات الجهوية في المناطق التي ينحدر منها ضحايا الحادث الى جانب حالة غضب شعبي عام جراء تدهور المقدرة الشرائية وتواصل ارتفاع الاسعار وتواصل خرق القانون وبعض مظاهر الفوضى والانفلات والجريمة. كما ألقى هذا الحادث وما سبقه من تقلبات بظلاله ايضا على الساحة السياسية. وكانت من بين تداعياته اقالة وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم في انتظار تحوير وزاري كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة.. لامركزية وسط هذه الأجواء «المشحونة» سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تواصل البلاد استعداداتها للانطلاق في تجربة اللامركزية التي ستترتب عن انتخابات 6 ماي الماضي. فبعد الاعلان عن النتائج النهائية في الايام القليلة الماضية، سيقع المرور الى استكمال انتخاب رؤساء المجالس البلدية ثم أعضاء المجالس الجهوية وبعد ذلك تنطلق التجربة نهائيا ضمن المنظومة القانونية والدستورية المرسومة لها. ورغم أن القانون والدستور نظما المسألة بشكل جيد، إلا ان التجربة لن تكون خارجة عن الإطار السياسي العام في البلاد خاصة ان الانتخابات أفرزت مجالس محلية بألوان سياسية مختلفة وسيعمل مختلف أعضائها جنبا إلى جنب في السنوات القادمة. وهذا ما يدفع إلى التساؤل حول التأثيرات المنتظرة لتقلب العلاقات السياسية السائدة هذه الايام على حسن سير عمل مجالس الحكم المحلي. من ذلك مثلا ان الطرفين البارزين على الساحة، النهضة والنداء، يعيشان هذه الايام تقلبا في العلاقة بسبب الاختلاف حول مآل حكومة يوسف الشاهد وحول التحوير الوزاري المنتظر والخوف لدى الرأي العام ان ينتقل هذا التقلب في العلاقة الى المجالس المحلية التي يمثل النهضة والنداء اغلب اعضائها. كما ان حزب نداء تونس يعيش بدوره بعض المشاكل وهو ما قد يؤثر سياسيا على أداء ممثليه في المجالس البلدية. ايضا توجد أحزاب أخرى عديدة حصلت على عدد محترم من المقاعد بالمجالس البلدية لكن علاقاتها بحزبي النهضة والنداء تبدو بدورها متقلبة. وهو ما قد يؤثر أيضا على حسن سير أعمال المجالس البلدية في المستقبل. الثابت أن تجربة اللامركزية والحكم المحلي ستكون في بدايتها هشة وعُرضة لمختلف انواع المخاطر المترتبة عن المناخ السياسي المتقلب وعن العلاقات المتشنجة بين الأطراف السياسية. وهو ما يستدعي في رأي المختصين ضرورة إحاطتها بضمانات وتحصينها تجاه المخاطر المحتملة وذلك عبر سعي الأطراف المعنية (ممثلي الاحزاب في المجالس المحلية) الى تحسين علاقاتهم في ما بينهم وتجنب التأثر بتوتر علاقات أحزابهم. وبالنسبة للاحزاب يجب ان تعمل كل ما في وسعها ايضا لابعاد الحكم المحلي عن صراعاتها الثنائية وان تعمل بطريقة موضوعية بعيدة عن كل اشكال تصفية الحسابات السياسية وخدمة الاجندات والمصالح الضيقة والحزبية. ويبقى للمجتمع المدني وللمراقبين الدور البارز في مراقبة انطلاق هذه التجربة لحمايتها ايضا وضمان حظوظ النجاح لها.