فشل مشروع الوحدة بين بورقيبة و القذافي لكنه فجّر العلاقة بين الطرفين و شكّل منعرجا خطيرا في مسار العلاقات التونسية الليبية التي تعرضت الى انتكاسة مدوّية و كان رأس الهادي نويرة مطلوبا ، بسبب دوره في اجهاض اتفاق الوحدة. وضع التراجع عن اتفاق الوحدة الهادي نويرة في عين العاصفة و جعله هدفا لحملة تشهير و تهديد واسعة كادت تنتهي باغتياله على ايدي مجموعة مسلحة أرسلها العقيد الليبي معمر القذافي لاغتياله في ليون أين كان يعالج من جلطة تعرض لها نتيجة تلك الضغوط السياسية التي سببتها الأحداث، قبل ان تنتهي الى اخراجه من الحياة السياسية تماما في نهاية السبعينات، حسب ما ذكره رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي البكوش في شهادته التاسعة لبرنامج "شاهد على العصر". توالت "توابع" و "زوابع" انهيار اتفاق الوحدة التونسية الليبية و تطوّرت الأحداث بشكل دراماتيكي كانت فيه "بصمة" النظام الليبي واضحة لزعزعة استقرار تونس و الاطاحة بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة...كانت قفصة هي نقطة الانطلاق...و كانت الليلة الفاصلة بين 26 و 27 جانفي 1980 هي التوقيت الذي تم تحديده لتنفيذ هذا المخطط. مجموعة كومندوس تتكون من أكثر من 60 مسلحا تشن هجمات منسقة ومتزامنة على ثكنات الجيش ومراكز الأمن وتتمكن من السيطرة على المدينة قبل ان يوجهوا دعوتهم للأهالي للانضمام الى الثورة المسلحة.. ساعات قليلة ويتبين أن الكومندوس من التونسيين المنتمين إلى "الجبهة التقدمية لتحرير تونس" وقد تم إرسالهم من طرف نظام القذافي بعد تلقيهم تدريبات في معسكرات في ليبيا ولبنان بهدف الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.. لم تدم سيطرة المجموعة على المواقع العسكرية والأمنية طويلا، إذ تمكن الجيش التونسي بتأييد من فرنسا والمغرب ، وحتى أمريكا أعربت وقتها عن استعدادها لمواجهة التدخل الليبي في تونس من القضاء على أغلب عناصرها وإلقاء القبض على البقية الذين احيلوا على المحاكمة وتم الحكم حضوريا بإعدام 11 منهم ونفذ فيهم الحكم فجر 17 أفريل أي بعد العملية ب80 يوما فقط لكن هذه الواقعة تلتها أعمال نهب وحرق سفارة تونس في العاصمة الليبية طرابلس. يعتقد رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي البكوش أن العملية تمت بترتيب جزائري ليبي، و يرى أن الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين اتفق قبل وفاته عام 1978 مع العقيد الليبي معمرالقذافي على "تنظيم عملية لزعزعة النظام التونسي وإن أمكن تغييره". وفي تفاصيل العملية يؤكد البكوش أن القذافي أرسل عشرات المعارضين التونسيين إلى قفصة للقيام بالمهمة، حيث تمكنوا من الهجوم على ثكنة كان بداخلها جنود متربصون، وقتلوا بعضهم، وكانت خطتهم أن تكون قفصة هي البداية، لكن الجيش والأمن التونسيين استطاعا أن يقوما برد فعل سريع. ويضيف البكوش أن وفاة بومدين ومجيء الشاذلي بن جديد خليفة له أفشلا العملية المسلحة في قفصة، حيث أمر بن جديد باتخاذ "كل الإجراءات لإيقافها بعد أن بلغه الأمر"، ليبقى القذافي وحده يدير المجموعة التي تم إيقافها لاحقا. وبحسب البكوش فانه كانت لبومدين والقذافي مآخذ على تونس فالأول كان معارضا للوحدة بين تونس وليبيا التي عقدت عام 1974، والثاني كان غاضبا من رئيس الحكومة التونسية وقتها نويرة لإحباطه هذه الوحدة. حيث تولى عدد من المسلحين قدّر عددهم بحوالي 60 مسلحا ينتمون جميعهم الى فصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات القومية وآخرون ينتمون الى التيار اليوسفي في تونس الى الاستيلاء على المدينة قبل ان يوجهوا دعوتهم للأهالي للانضمام الى الثورة المسلحة. ويقول قذاف الدم في شهادته حول هذه الاحداث إنه حين وقعت أحداث قفصة أرادت القوات الفرنسية أن تأتي لتقمع "هذه الانتفاضة، ونحن اعترضنا على هذا، وذهبت أنا إلى باريس، وتكلمت مع الفرنسيين حول هذا الموضوع، وقلت لهم: إذا ما دخلتم إلى تونس، فستجدون القوات الليبية أمامكم، وفي مواجهتكم. وقلت لهم أيضا إننا، نحن، لا نتدخل في تونس.. هذا لأنهم اتهموا ليبيا بهذه العملية، بينما ليبيا لم تكن طرفا فيها. واكتفى الفرنسيون بإرسال بعض الخبراء الفنيين ولم يرسلوا قوات، ونحن توقفنا عند هذا الحد"...لكن هل توقفت الأحداث فعلا عند هذا الحد؟ في الحلقة القادمة تفاصيل و حقائق جديدة