منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات البلدية، بدأ الحديث يدور عن التحالفات السياسية والحزبية المنتظرة في المجالس الجديدة المنتخبة. غير ان الاحزاب على الصعيد المركزي ابدت مواقف مختلفة من ذلك. تونس (الشروق) بعد ان أفرزت الانتخابات البلدية الاخيرة عدة ألوان سياسية داخل المجالس الجديدة المنتخبة بادر بعض الفائزين بتحركات ومناورات عديدة في الأيام الاخيرة قصد التقارب والتحالف مع ألوان سياسية اخرى. لكن بعض هذه المبادرات قوبلت بتململ ورفض من المركز أي من الحزب، على غرار ما حصل مؤخرا بالنسبة للتحالف المعلن بين فائزي الجبهة الشعبية والنهضة في بلدية العروسة من ولاية سليانة او بالنسبة للتحالف المعلن بين النهضة والنداء وحراك تونس الارادة في بلدية سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد.. بين المركزي والمحلي يفسر المحللون التقارب على الصعيد الجهوي والمحلي مقارنة بالتنافر على الصعيد المركزي بالقول ان العلاقة بين ممثلي الاحزاب في الجهات عادة ما تكون اكثر «هدوءا» من علاقة الاحزاب على الصعيد المركزي وهو ما يجعل التقارب بينهما يكون افضل بحكم علاقات القرابة او علاقات الجوار او الصداقة على مستوى الجهة خاصة بالنسبة للجهات الصغيرة. وهو ما قد يشجعهم اكثر على التحالف داخل المجالس البلدية عكس ما تكون عليه العلاقة بين الاحزاب على الصعيد المركزي والتي تكون مبنية عادة على التنافس السياسي «الشرس» واحيانا على «عداء» إيديولوجي وفكري. وهذا ما قد يفسّر رفض احزاب المركز لتحالفات ممثليهم في الجهات على غرار ما حصل مثلا بالنسبة للتحالف الاخير المعلن بين ممثلي الجبهة الشعبية وحركة النهضة في جهة العروسة والذي وافقت عليه النهضة على المستوى المركزي لكن رفضته الجبهة الشعبية مركزيا. اهتمامات مختلفة قبول او رفض احزاب المركز تحالف ممثليهم في الجهات مع احزاب اخرى يفسره المحللون باختلاف الاهتمامات السياسية. فاهتمام النهضة ليس نفسه اهتمام الجبهة الشعبية او النداء او اآفاق تونس او مشروع تونس او التيار الديمقراطي او حركة الشعب. فالنهضة تعتبر ان التحالف مع المنافسين يندرج في إطار جهودها لتغيير صورتها والظهور اكثر بمظهر الحزب المدني والابتعاد شيئا فشيئا عن الصورة الدينية وذلك عبر تطوير علاقاتها مع مختلف الاطراف لذلك لا ترفض التقارب مع اي كان الى جانب اعتقادها ايضا ان التحالف يجعلها أكثر قوة محليا. أما الجبهة الشعبية فهي ترفض تحالف ممثليها لانها تريد المحافظة على صورتها الحالية في موقع المعارضة التي تعتبرها ناجحة الى حد الآن بما انها مكنتها سابقا من الفوز بعدد محترم من المقاعد في تشريعية 2014 وفي بلديات 2018. وتنضاف الى ذلك ايضا المسالة الايديولوجية حيث ترى الجبهة ان تحالفها مع النهضة فيه تقويض لمستنداتها الفكرية القائمة منذ سنوات على التنافس القوي مع الاسلاميين، وهو ما قد ينطبق ايضا على احزاب آفاق تونس ومشروع تونس وبدرجة اقل على حركة الشعب والتيار الديمقراطي. وبالنسبة لنداء تونس الذي رغم تحالفه المعلن مركزيا مع النهضة على مستوى الحكومة إلا انه مازال متحفظا على التحالف معها على المستوى المحلي بسبب تواصل الانقسامات داخله بين من يقبل التحالف ومن يرفضه وايضا في اطار عملية تقييم لتجربة التحالف السابقة ومدى تاثيرها على صورة الحزب. تمرّد؟ يبقى التساؤل المطروح بعد كل ذلك هو هل بامكان القواعد ( الفائزة محليا) التمرّد على المركز والدخول في تحالفات مع اطراف أخرى دون موافقة الحزب؟ نظريا يبدو ذلك ممكنا لكن على الصعيد المركزي قد لا يكون ذلك متاحا عندما يطلب الحزب من ممثليه في الجهات عدم التحالف مع أي طرف إلا بعد استشارته وموافقته. وقد اثبتت تجارب سابقة في فرنسا مثلا ان بعض الاحزاب اضطرت الى طرد ممثليها الفائزين في الانتخابات البلدية بعد ان تحالفوا مع فائزين من احزاب اخرى. وهو ما قد يتكرر في تونس خصوصا في ظل النظام السياسي القائم حاليا والذي يتيح للاحزاب تموقعا قويا يجعلها ممسكة دائما بزمام الشان السياسي وقد لا يجازف ممثلوها في الجهات بالتمرد والتحالف مع اطراف مرفوضة مركزيا خوفا من امكانية فصلهم عن الحزب وما قد يترتب عن ذلك من فشل سياسي في المستقبل في صورة افتقادهم للسند الحزبي. وكل ذلك قد يجهض بعض نوايا التقارب إلا إذا كانت صادرة عن مركز الحزب وهو ما ستكشفه الايام القادمة عندما تتركز المجالس البلدية نهائيا.