تطورات هامة شهدتها منطقة المغرب العربي منذ يوم 13 جوان إثر التصويت الجماعي للبلدان الخمسة لفائدة احتضان المغرب لدورة 2026 لكاس العالم لكرة القدم وإن كانت خسارة البلد الشقيق متوقعة فهو يواجه الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك مجتمعة فإن هذا التصويت الموحد كانت نقطة مضيئة إذ قابله تنكر بلدان عربية لوحدة الصف ومنها دول خليجية كبيرة ما كان نظن أنها تتنكر لما هو الحد الادنى للتضامن العربي خاصة وأن مساندة الشق الآخر لم يكن ليغير في الامر شيئا فالأغلبية ستبقى لصالح أمريكا وجارتيها وبمساندة الدول المعنية أو دون مساندتها ولكن رمزية الوقوف ضد دولة شقيقة هو الذي يبقى في البال ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالرياضة وبكرة القدم على وجه الخصوص التي يتابعها المولعون بها ويعدون بالملايين بشغف كبير. إننا نحمد الله أن لا دولة من دول اتحاد المغرب العربي الخمس خرجت عن الإجماع في مساندة المغرب في هذه المناسبة وهو أمر من الاهمية بمكان إذ يدل دون شك على أن ما يجمع الدول الخمس اكثر مما يفرق بينها وأنه عندما يجد الجد تتكاتف هذه الدول وتتوحد وتبين بأنها جسم واحد. ولقد عم بلدان المغرب العربي أنظمة وشعوبا ارتياح كبير لهذه اللحمة التي لم تنفصم ولهذا الموقف الموحد الذي إن كان يدل على شيء فإنما يدل على أن هناك مسائل مبدئية لا يمكن المساومة فيها ومنها على وجه الخصوص الانتماء إلى هذه الرقعة الجغرافية وتقاسم ثوابت حضارية وثقافية وبشرية مشتركة فضلا عن الاعتزاز بهذه القواسم المشتركة والثبات في عدم التفريط فيها مهما كانت الظروف والمغريات. قد يعتقد البعض أن الأمر ليس هاما إذا تعلق الشأن بالرياضة التي ننعتها في بلادنا بالخفة في معانيها المختلفة ولكن الرياضة أصبحت من النشاطات الاساسية في عالم اليوم وأضحت مقياسا من المقاييس الهامة في تحديد مكانة أي دول بين نظيراتها في العالم كما أنها من العناصر الاساسية في التماسك المجتمعي وفي الإحساس بالانتماء إلى كائن واحد هو الوطن أي هو في النهاية احد أركان الوطنية والمواطنة لا ببعدها الشوفيني المغالي للتعصب الوطني بقدر ما هو مقياس للفخر والاعتزاز بهذا المشترك الجميل الذي يربط كل فرد بالآخرين المقربين المجتمعين حول راية واحدة يلهجون بنفس الإحساس ويتبادلون نفس المشاعر الجياشة. إن للرياضة دور وأي دور في تقريب الشقة وفي ربط الصلات وتمتينها بين الشعوب مهما كانت اختلافاتها كبيرة ومواطن الفرقة بينها كثيرة ولا بد أن نذكر هنا أن ربط علاقات دبلوماسية بين الصين الشعبية والولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية سبعينات القرن الماضي تم على إثر جولة قام بها الفريق الوطني الامريكي في كرة الطاولة في افريل 1971 لبيكين وقد اطلق الإعلام على هذه الخطوة «دبلوماسية البينغ بونغ» ولم تمكن هذه السياسة من تطبيع العلاقات بين الدولتين الكبيرتين بل اسهمت تأسيس أمن دولي قوي من خلال استعادة الصين الشعبية مقعدها بين الدول دائمة العضوية في مجلس الامن عوضا عن الصين الوطنية التي انحسرت رقعتها في جزيرة تايوان التي كانت تعرف بفرموزا. و ما بالعهد من قدم أسهمت الرياضة في كسر الجليد بين شمال كوريا وجنوبها ولئن تم في المدة الأخيرة اجتماع تاريخي بين رئيسي جزئي شبه الجزيرة الكورية فالفضل يعود فيه للرياضة إذ تم الإعداد لهذا التقارب من خلال الفريق الموحد الذي شارك في الألعاب الاولمبية الشتوية التي احتضنتها مدينة بيونشانغ Pyeonchang في كوريا الجنوبية خلال شهر فيفري الماضي ولا يمكن أن ننسى أن هذا التقارب هو الذي خلق الظروف المواتية للقمة الأمريكية الكورية الشمالية التي تمت منذ أيام في مدينة سنغافورة والتي تمثل حدثا تاريخيا هاما أنهى حربا باردة بين الطرفين دامت لأكثر من ستين عاما. وبالعودة إلى ترشح المغرب لتنظيم كاس العالم لكرة القدم 2026 فلا بد أن ننوه أن الجزائر ساندت جارها الغربي بالرغم من المشاكل السياسية التي تراكمت في السنوات الاخيرة والتي اضحت حجر عثرة أمام أي محاولة لتنشيط اتحاد المغرب العربي هذه المنظمة التي أصبحت حسب المراقبين في حالة موت سريري لا سيما بعدما أعلن الملك المغربي محمد السادس أن شعلة الاتحاد المغاربي قد انطفأت. إن هذا التطور الإيجابي تلقاه المغرب بالامتنان كما بينته رسالة الشكر التي بعث بها العاهل المغربي إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي تجاوزت العبارات اللطيفة التي جاءت فيها المجاملات الدبلوماسية للتأكيد على إرادة المغرب القوية على المساهمة في إعادة بناء المغرب العربي كما لم تخل حسب المراقبين من إشارات واضحة إلى إمكانية العمل على تقديم ترشح مشترك للدور الموالية لكاس العالم لكرة القدم عام 2030. إننا أمام فرصة ذهبية يجب البناء عليها من خلال الدعوة لتقديم ملف مغاربي مشترك للدول الخمس في تنظيم هذه الدور الرياضية الهامة على أن تنظم مباراتي الافتتاح والاختتام في الرباطوالجزائر العاصمة وتتوزع بقية المباريات بين المدن الكبرى في الدول الخمس. وإذا أمكن إسناد تنظيم دورة في الشطر الشمالي من القارة الامريكية فلن يكون صعبا أن ينال الشمال الإفريقي شرف تنظيم الدورة الموالية. وحيث رافق تبادل المشاعر الطيبة بين قيادتي المغرب والجزائر حراك سياسي ومجتمعي حول ضرورة فتح الحدود الأرضية بين البلدين المغلقة منذ 24 سنة والتي لم يعد الحديث فيها من المحرمات فإن الأمل يعود لإحياء الحلم المغاربي وهو ما سيسعد دون شك الجماهير في البلدان الخمسة التي راينا مدى تحمسها لمساندة الفرق الشقيقة في الدورة الحالية لكاس العالم لكرة القدم روسيا 2018. و لاشك أن المبادرة بالتفكير في تقديم ملف مشترك لعام 2030 ستتلقفها الشعوب المغاربية بكل الشغف ومزيد الارتياح وسيكون الإعداد لهذا الموعد فرصة مواتية لرص الصفوف ولتوحيد المغرب العربي هذه المنطقة من العالم التي تجمع كل مقومات الاندماج الفعلي.