الرياضة هي مرآة الدول.. وقوة الدول وعافيتها باتت تقاس بمؤشرات النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والابداع الثقافي ولكنها تقاس كذلك بمدى ابداع واشعاع منتخباتها الرياضية ومنتخبات كرة القدم في طليعتها. وقد منّينا أنفسنا قبيل انطلاق فعاليات المونديال بأن منتخبنا قادر على كسر هذه القاعدة وبالتالي على الابداع في هذا المنتدى الكروي العالمي وتقديم صورة ناصعة عن بلادنا تخرج بنا عن واقع الازمة الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نتخبط فيها... تخرجنا ولو لحين من واقع التشاؤم والإحباط الذي تردّينا فيه بفعل استحكام الازمة السياسية والاقتصادية.. فتجعلنا نتفاءل بغد أفضل ونقتنع بأن الإحباط ليس قدرا وبأن الأمل جائز في رؤية النور في نهاية النفق. بِعنا لأنفسنا هذا الأمل الكاذب لنكتشف بعد مباراتين فقط بأننا بعنا أنفسنا وهما سرعان ما بدّدته صفعة الانقليز وصاعقة البلجيكيين. وهما صفعة وصاعقة أعادتانا الى أرض الواقع ووأدتا فينا ذلك الحلم الجميل.. فإذا بنا أمام المرآة نترشف نفس كأس المرارة والإحباط والتشاؤم ونحن نرى حلم التفوق والتميز والإشعاع في المجال الكروي يعانق باقي المؤشرات الهابطة في كل مناحي الحياة تقريبا. لتجدنا نطرح السؤال الكبير والحارق : هل يجوز لنا أ نفرح ومن أين يأتينا الفرح؟ فلقد استبدّت بالبلاد منذ سنوات أزمة شاملة وخانقة تكاد تكون قاتلة.. وهي تضغط على صدور الشعب بأكمله وتزيد في ضغطها مع الأيام والأسابيع والشهور والسنوات. فهذه عملتنا تنهار وهذا دينارنا يترنح ويتدحرج تحت أقدام اليورو والدولار وعملات الدول القوية. وهذه الأسعار تمارس رياضة القفز العالي لتنهب جيوب الناس الغلابة الذين باتوا يكابدون ويجاهدون لتحصيل أساسيات العيش والحياة، وهذه مؤشرات التضخم تتلاعب بقدرتنا الشرائية وتهزمها بالضربة القاضية. هذه أجور العملة والموظفين تتراجع مترنحة معلنة هزيمتها أمام مد الغلاء. وهذه أحزابنا السياسية تتناحر وتتصارع على المناصب والكراسي والغنائم غير عابئة بمعاناة خلق الله. وهؤلاء نوابنا المحترمون يستعرضون ويتناكفون كما لو كانوا في جزيرة معزولة. وهذه وزاراتنا تتنافس في تصريف الرياح وممارسة رياضة القفز في نفس المكان شأنها شأن من وقع في بركة زيت في طريق جبلية يتحرك ويجد في التحرّك ظنا منه أنه يتقدم فيكتشف أنه يراوح مكانه... وهذه جامعة الكرة تمضي في تعنتها وإصرارها على اتباع نفس الطرق والأساليب غير عابئة بصرخات بعض الرياضيين والمسيرين المخلصين الذين نبهوا إلى ضرورة الإصلاح حتى يكون حصادنا من قبيل زرعنا وحتى يكون حساب البيدر موافقا لحساب الحقل. لكن هيهات. من أين يأتينا التفوق ونحن غارقون في وحل الأزمة ومنهارون بين مخالب اليأس والاحباط والتشاؤم؟ من أين يأتينا الفرح ونحن لم نزرع أصلا بذرة الفرح والأمل والتفوق؟ انها معادلة سهلة عرّاها انهيار فريقنا الوطني بهزيمته المذلّة أمام المنتخب البلجيكي... فبكل صلف وغباء الدنيا زيّن لنا استهتارنا بأننا يمكن أن نهزم واحدا من أبرز المرشحين لنيل التاج العالمي... وبأننا يمكن أن نعطي شعبنا فرحة طالما انتظرها... فرحة تعيد له الأمل في الغد وفي أن التخلص من الأزمة الشاملة ممكن وبأن توحيد الجهود والقلوب كما حدث خلف المنتخب قبل الكارثة يمكن أن يجعلنا نتجاوز العاصفة بسلام... لكن هيهات... من أين يأتينا الفرح ونحن غارقون في وحل أزمة شاملة أصابت النفوس بالاحباط والتشاؤم... وكيف يجني الفرح والنجاح من زرع بذور الخراب والفشل.