قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكّر السوري الطيب التيزيني ل"الصباح".. أخجل من أن يتحوّل تونسيون إلى "داعشيين"..
نشر في الصباح نيوز يوم 23 - 11 - 2016

*الداعشية ظاهرة تحدّ للتاريخ الإنساني ..والداعشيون مهشمون، مهمشون،أذلاء
*النصّ الديني يحول دون نشوء الصراعات الطائفية
* صرخة البوعزيزي تؤكّد أنه ليس بالضرورة أن يسير التاريخ إلى الأمام
* فشل الثورات العربية فتح الباب ل"الطائفية" المستجلبة من الخارج
أن تجلس لتحاور قامة فكرية في حجم الطيب التيزيني فان ذلك ليس بالمهمة اليسيرة أو السهلة، فسنواته الثمانين لم تهزم فكره المتقد ولم تنل من سرعة بديهته بل زادت أفكاره نضجا واكتمالا، يبهرك الرجل عندما تجلس إليه لقدرته المذهلة في المراوحة بين كل المجالات التي أنتجها الفكر البشري، فيعبر بك عوالم الفلسفة والتاريخ والدين والتراث عبور الباحث المهموم بإعادة قراءة الفكر العربي وفق سياق تاريخي أخضعه الطيب التيزيني للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية واعتمد من خلاله جدلية المراوحة بين النظري والواقع كما أملته السياقات الداخلية والخارجية.
"هذه الأيام منكب على مراجعة دراسات دروين حول الإنسان لأعمّق معرفتي بهذا الإنسان الذي لا يتوانى عن القتل» يقول الطيب التيزيني المرتاع من هول أن يكون هذا الإنسان قد بلغ مرحلة «الداعشية» في حركة مباغتة للتاريخ وللإنسانية، يرفض ابن مدينة حمص السورية أن يغادرها أو يغادر وطنا يسكنه أينما ارتحل، وطن لم تلوّثه حالة «الداعشية» البشعة التي ولّدت في نفس المفكّر حالة من طفرة المشاعر «لقد أصبحت أصاب بنوبات بكاء متكرّرة.. لقد شاهدت الكثير.. تصوّري أن أطفالا يقتلون، يخرجون من تحت الأنقاض، يدهسون بالسيارات وتُمارس ضدّهم كل أنواع القسوة والعنف"..
يتحدّث التيزيني بصوت متحشرج وهو يغالب دموعا ذرفها مدرارا على الوطن الجريح..
هذا المفكّر الذي اعتنق من بداياته الفكر الماركسي القومي ووهب حياته للفكر مخلصا على أمل أن ينتج هذا الفكر واقعا مغايرا لبيئة عربية "متكلّسة" ضمن منطق "القوالب" المتوارثة وعاجزة عن مواجهة المتغيّر في الفكر الإنساني وجد نفسه يواجه حالة "غير مسبوقة من التراجع" كما يصفها..، التيزيني الذي انفتح على كل الأفكار الإنسانية بكل مرجعياتها الدينية والعقائدية والفكرية والحضارية ولم يحشر أبدا نفسه في زاوية "الموروث" بصيغه «المقدّسة» يجد اليوم نفسه في قلب معركة "سياقات التنقّل" والذهاب نحو الماضي الغارق في الصراعات.
التقينا المفكّر العربي السوري الطيب التيزيني على هامش زيارته الأخيرة إلى تونس بدعوة من منتدى الجاحظ، لقاء استثنائي تحدّث من خلاله عن الراهن العربي بكل تناقضاته، عن الثورات العربية، عن الحالة «الداعشية»، عن حركات الإسلام السياسي، عن الإسلام في سياق التحولات، كما تحدّث عن رؤيته للطائفية المستجلبة المتحوّلة من قومية معلنة، والتي يراها تحوّلا «سبق التاريخ» .
*الدكتور الطيب التيزيني المفكّر المناصر منذ بداياته للفكر القومي الماركسي بعد كل هذه العقود من مراكمة الأفكار ومن البحث والتدقيق هل من إضافة يقدّمها ويقدّم من خلالها رؤاه الراهنة؟
- الإضافة المحتملة التي يمكن أن أقدّمها نشأت في سياق ما حدث ويحدث في هذا العالم المتصارع ولهذا ما نحن فيه الآن تعبير عن مرحلة فظيعة من التراجع في العالم كلّه..
*التراجع عن ماذا تحديدا؟
- التراجع عن المشاريع التي كانت قائمة على علاّتها..
*هل المقصود بهذه المشاريع،المشاريع السياسية أو المشاريع الأخلاقية؟
-التراجع عن كل شيء.. الأزمة شاملة عمقا وسطحا.
*ونحن كعرب ومن خلال هذه الأزمة هل كنّا سببا في العمق أو السطح؟
-في السطح حين ما كنّا نعرف، وفي العمق حين ما كان الآخر يعرف، ويسوق الاتجاه نحو هذا الذي حدث، إذن هناك نحن وهناك الآخر،الآخر يؤسس لهذا الذي يحدث الآن لكننا قمنا بدورنا وان لم يكن صريحا واضحا يفضي إلى هذا الذي نعيشه راهنا.
*في كل كتاباتك نقدت ما وصفته بالبنى التاريخية الرثّة والمتآكلة التي أوصلت المشاريع العربية إلى حالة الفراغ التاريخي،اليوم «حالة الفراغ التاريخي» كيف تعبّر عنها أنت فكرا وتوصيفا؟
- في هذه الحالة هناك طرفان بارزان وأطراف أخرى علينا أن نكتشفها،الطرفان نعني بهما الجمهور العام في الوطن العربي المختلف التوجهات ولكن يجتمع بصورة عامة على ما أعتبر رهانات أساسية وكأنها بديهيات..وهي التوجّه في منحى وطني وقومي ديمقراطي يحافظ على ما أنجز حتى حينه..الطامة العظمى أتت حينما تم العمل سحق هذه الأعمال التي اتضح أنها رملية،الأكثر من ذلك أن الطامة الكبرى في الحالة الراهنة مسلحة بكل السلاح الذي اكتشفه البشر في حروبهم الكيميائية والفسفورية وربما الذرية،ولهذا نحن إزاء حالة غير مسبوقة ولم يكن أحد ليعتقد أنها ستأتي يوما ما لكنها أتت..ونحن امام مرحلة قديمة جديدة ..المرحلة السابقة كان الوطن العربي يكافح من أجل مشروع وطني وقومي ديمقراطي باتجاهات يسارية محتملة،هذا المشروع الذي مثّل الحالة القصوى الآن يستبدل بمرحلة فظيعة هي مرحلة العودة إلى الطائفية..والطائفية التي تتمثّل ببعد جديد هو إنتاجها وإثمارها في الوطن العربي من خارجه،في الماضي كانت المواقف السياسية بعضها طائفيا،الآن العمل كلّه في ما يحدث على الصعيد الطائفي المستجلب من خارج المنطقة التي يراد لها أن تعيش هذه المرحلة الجديدة .
*هذه الحالة الجديدة الشبيهة بالعدم والعبث والفوضى من يمسك فيها ب»الريموت كونترول» من يحرّك اللعبة اليوم في كل هذه الفوضى العربية؟
هذه الحالة أولا ليست عدما إنما هي كل الثقالة التي تتجسّد في مرحلة لم يمرّ فيها لا الوطن العربي ولا المناطق المحيطة بها لأنه مطروح عليها الآن الاندماج في المشروع العربي الجديد الذي أصبح الآن مشروع إعادة التوطين الطائفي،لصالح مشروع امبريالي عولمي، طبعا تنفيذه في الوطن العربي وبأياد عربية.. هذا المشروع تم التبشير به منذ سنين على أيدي مجموعة من المفكرين الأمريكيين منهم «فوكو ياما» في كتابه «صراع الحضارات» وقال فيه «لم يعد هناك ما كان البشر يحلمون به سابقا وهو الانتقال السلمي إلى مراحل متقدّمة غير تلك المراحل السابقة...»اليوم هناك حالة عاصفة وهي المراهنة على العودة إلى الطائفة المستجلبة، طائفة محلية في البلد نفسه.
*أتعني أننا في منطق الشرق الأوسط الجديد الآن؟
نعم هذا هو..الجميع عليهم أن يستجيبوا إلى دعوة الشعار الراهن «التنقّل» الذي هو من سمات النظام العولمي الجديد، وهو نظام رأسمالي في أساسه، امبريالي في توجهاته يمتلك المراحل السابقة إضافة إلى إعادة النظر في كل شيء وخصوصا ما هو حاسم.. عالم بكامله مطلوب منه أن يقوم بحالة من الدوران حتى تنشأ بُنى جديدة، كأن يخرج الناس من وطن ليدخلوا في طائفة، طائفة جديدة..فقد كان هناك دائما سنّة وشيعة وكان المطلوب أن يكون اختلاط بينهما لصالح واحدة منهما في البلد نفسه الآن مطلوب أن يفسح هؤلاء المجال لمن يأتي من الخارج، نحن اليوم أمام صيغة جديدة لاستعمار جديد،استعمار الأرض والتاريخ والمستقبل.
*في سياق هذا التنقّل الجديد كما سمّيته أين تتموقع الثورات العربية هل أتت لخدمة سياق هذا التنقّل أم كانت حدثا مباغتا لمسار هذا التنقّل؟
الحقيقة كان هناك شعارات لثورة عربية،ولم نعش ثورة عربية،وما كان ينقص هي تلك الحلقة التي تجعل من العالم العربي في خطّ التحوّل نحو بنية ثورية قائمة على الديمقراطية وحقوق الإنسان وله القدرة على البناء السياسي والاقتصادي والثقافي لصالح الأمة العربية، الآن هناك طائفة من خارج الأمة العربية، هذا العامل الجديد والاستفزازي هو عبارة عن حرب طوائف المستجلبة من الخارج .
*أتعني أن الثورات العربية خدمت هذا المشروع الطائفي؟
فشلها وإخفاقها في العالم العربي فتح الباب لهذا المشروع .
*لما في تقديركم فشلت وأخفقت هذه الثورات رغم حماس الشعوب الواضح؟
فشلت في ما وضعت يدي عليه وسميّته بقانون «الاستبداد الرباعي» مع العلم أن هذا القانون لم يوجد بصيغة واحدة في العالم العربي، وُجد بصيغ متعدّدة في الشدّة والنوعية..هذا الاستبداد الرباعي يقوم على أربع ركائز، أولا الاستئثار بالسلطة والاستبداد من موقعها، ثانيا الاستئثار بالثروة الوطنية التي تصبح في قبضة واحدة، ثالثا الاستئثار بالإعلام العمومي في البلد، ورابعا الاستئثار بالمرجعية المجتمعية المجسّدة خصوصا في حزب ما، كأن كل ذلك تعبير عن هيمنة مجموعة نظام يستبد بكل شيء.. وفي هذه الفترة ازدهرت الأحزاب ونشأت معها فكرة أخرى هي الحزب الأبدي الخالد بقائد أبدي خالد، هذه الحالة الجديدة تنشأ مع تعاظم النظام العولمي الجديد.. تنشأ هذه الحالة وكأنها نوع من التطوّر أتى من خلف المرء، من خلف التاريخ...
* التجربة التونسية في سياق ما سمّي بالربيع العربي كيف تنظر إليها كمفكّر عربي؟
تونس كانت تمثّل حالة قادرة على امتلاك أفق تاريخي غاية في التفوّق لكن البنية السياسية لم تكن تحتمل هذا الأفق..تونس في عصر زين العابدين بن علي كانت تمثّل فعل «الاستبداد الرباعي» لكن مع مسحة من الليونة والمرونة.. أنا عشت هنا فترة واكتشفت أن ما يحدث هنا أمر جلل ولكن يحدث بهدوء وبالمناسبة وصلت إلى مصطلح «الاستبداد الرباعي» بإشارة من النظام التونسي في زمن بن علي..هذا الزمن الذي أنشأ وأنضج فكرة «الدولة الأمنية»..وهي شيء مختلف عن الاستبداد العسكري.. الدولة الأمنية هي آخر ما أنضج في اتجاه تفكيك الوطن العربي واكتشفت بذور هذا الأمر في تونس،الدولة الأمنية هي ضرورة أن يتحوّل كل مواطن إلى فاسد ومفسد،كلاهما بحيث يصبح جميع المواطنين فاسدين ومفسدين تحت الطلب، و»تحت الطلب» هذا شرط حاسم، يعني أنك ستبقى تمارس الدور السلمي «الفاسد والمفسد» إلا إذا اكتشفت على الصعيد النظري أن هناك ما يمكن إضافته.
*تعود اليوم إلى تونس بعد خمس سنوات من سقوط صانع «الدولة الأمنية»..فهل ترى تغييرا؟
فعلا عدت ورأيت شيئا مختلفا وأنا سعيد بذلك لا أقول شيئا مختلفا بإطلاق.. فالتاريخ له حقّه وهو لا يأتي بلحظة واحدة ولكنه يفصح عن نفسه ..انا اعتقد أن تونس بدأت تخط طريقا آخر لكن مازال هناك ما لا يحصى من أمور قد تعيق هذا التطوّر.
منذ قليل سمعت مجموعة من الشباب يهتفون لم أفهم الهتافات ولكن تبيّن فعلا أن هناك حراكا جديدا.. وتابعت التلفاز واستمعت لشهادات الضحايا حول ما حدث من مجازر.. هذا عنوان جديد.. فمن المهم ان يكون للضحية دور في إدانة من هو مازال قائما ويمارس الانتهاك.. هذا الحال الجديد هو بداية جديدة ولكنها ليست مطلقة إنما هي دعوة إلى اكتشاف ما ينبغي أن يحدث من توليفة تأسيس بنية وطنية جديدة من الجميع في سياق وطن حرّ ديمقراطي لأن هذا الشرط الذي قلته الآن يحول دون التحوّل إلى اتجاهات أخرى مثل ما يحدث الآن في بلدان أخرى كالتحوّل باتجاه الطائفية..
*هل يعني ذلك أن تونس لها فرصة جدّية للتحرّر من تاريخ ما.. ومن «استبداد رباعي» كانت فيه النموذج الذي استلهمت منه مصطلحك؟
هذا السؤال ذو أهمية قصوى ..وأنا أضع يدي على قلبي خوفا من انزياح ما عن البدايات الطيبة، فالأمر لم يحسم بعد خصوصا وأن النظم العالمية الجديدة تقوم على العولمة وال»ما بعديات» التي هي من مؤسسات العولمة ،..ان الصرخة التي أطلقها الشهيد البوعزيزي هذه الصرخة ذات دلالة عظمى انها تأكيد على ان التاريخ ليس ضروريا أن يسير الى الأمام ..الآن مهمة قصوى أن تحافظوا كتونسيين على الحد الأدنى باتجاه الأقصى مما تملكون، مما هو أكثر جلالة وعظمة يعني الوطن،الوطن التونسي ضمن الوطن العربي..فالمخاطر لم تنته، يكفي ان نقول انه الآن هناك احتمال للاستمرار بهذا الطريق لكن بشرط أن تتطوّر وتيرة الحفاظ على الوطن شيئا فشيئا لا أن تبقى كما هي لأن النهائي الصامد قد يزحزح عن موقعه.
*وأنت السوري القادم من وطن يتألم، تونس هذه التي تحبها هل تشعر أنها مستك بسوء عندما عُقد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس.. هل تشعر أنها مستك بسوء عندما ترى مئات التونسيين يسفكون الدماء السورية باسم «داعش»؟
(يجهش بالبكاء) يعني أنا بقدر ما أحب تونس أحبّ سوريا وأحب الوطن العربي (يجهش بالبكاء) وأخاف من تلك القفزة الهائلة باتجاه المجهول الأسود.. أنا اخجل أن يكون تونسيون قد تحوّلوا إلى» داعشيين» لأن هذا التحوّل باتجاه داعش هو إدانة للوطن.. من هم الداعشيون؟ أذكّر بقولة لكارل ماركس كان يقول «كلما هبطت قيمة الإنسان تصاعدت قيمة الأشياء» وهذا الكلام يعني حالة من التوتّر والإدانة للآخر الذي تركنا نصل إلى ذلك، ف»داعش» يكثّف ويلخّص التاريخ الامبريالي والاستعماري والاستغلالي. عموما،الداعشيون في أسسهم هم أولئك المهشمون والمهمشون، الأذلاء الذين لا حياة لهم ولا كرامة.. إن الداعشية هي ظاهرة التحدّي للتاريخ العالمي.. إن «داعش» تعبير عن ظلم الإنسان على مدى التاريخ، تعبير سلبي أخذ طريق الاحتجاج على كل شيء ما عدا أفكار زائفة حملوها.
*هل هم بذرتنا أم البذرة الشيطانية القادمة من الخارج وزرعت في تربة خصبة وملائمة؟
أولا هم بذرتنا.. إن لم يكن هناك بذرة محتملة ما لن يحدث شيء في الداخل،هذا ما نفهمه نظريا تحت مقولة جدلية «الداخل والخارج»، فالداخل لا يمكن القضاء عليه وتشتيته إن لم يكن هناك نقاط ضعف يُهجم عليها، الداعشية تعبير مركّب فظيع البنية،معقّدة، ربما بهدف أن لا تكتشفها.. وهنا الفعل التاريخي للأفكار يبرز ما حدث لسحق البشر بإشارات جديدة زائفة.. لكننا نحن مسؤولون واعني العالم كله وهنا مقولة ماركس «كلما ارتفعت قيمة الأشياء تلاشت قيمة الإنسان» ويأتي أحدهم وهو «بوغنون» هذا الأمريكي ليقول تعريفا للعولمة «العولمة هي السوق المطلقة» تصوّري ما أدقّ هذه المواقف وما أخطرها،هذا هو النظام الذي يهيمن راهنا لذلك نحن بذرنا لهذه الفكرة وبالتالي تشكّلت لها حاضنة داخلية.
*"الداعشية" في علاقة بالحالة السورية..كيف تفكّك بنية هذه العلاقة من منظور المواطن السوري وكذلك من منظور المفكّر؟
التاريخ يلعب بالناس وله مضحكاته،أي رواياته الهزلية.. سورية كنت في فترة مضت لا أخشى عليها، سوريا وطن محفور في قلبي.. نحن شعب يقوم على طوائف متعدّدة ومع ذلك تكتشفين أن هذه التعددية ما هي ألا وحدة، من أقصى إلى أقصى وهذا الأقصى يختلف فالجميع يتبادلون المواقع..فوطن واحد بتعددية مختلفة لكنه يبقى الوطن..أنا لا اخشي عليه وان نابتني أحيانا بعض الأفكار السوداء،التي تخيفيني.. ولكن أعود لأؤكّد لن تسقط سوريا العربية،الوطن السوري العربي التي حرّرها من الفرنسيين كل الطوائف السورية كلهم دون استثناء لن تسقط..نعم قد نحيل ما يحدث في العالم العربي إلى ما نسميه في الفكر النظري عوائق المشروع الوطني.. هي حالة عادية وان كان اليوم حالة تعادل التاريخ كلّه لكن أصرّ على أنها حالة وستغيب.
* الثورات العربية دفعت إلى سطح الواجهة السياسية ما يسمّي بحركات الإسلام السياسي هذه الحركات التي تسقط وتصعد هذه الحركات المقموعة والحاكمة.. من موقعك كمفكّر كيف تقرأ صيرورة هذه الحركات وهل هناك مسافة بينها وبين الحالة «الداعشية»؟
هذه حركات داخلية من الوطن وان حملت حمولات نظرية مختلفة،والإسلام ليس مستجلبا من الخارج بل هو حالة تخوض في نطاق الوطن العربي كلّه وان بدرجات مختلفة،الإسلام كما غيره من الأديان والإيديولوجيات يتغيّر بتغيّر البشر بظروفهم السياسية والثقافية والمادية.. إن الإسلام يُقرأ قراءات متعدّدة والتعددية لا تأتي فقط من المواقف الثقافية المختلفة وإنما تأتي أيضا من مواقع الوضعيات الاجتماعية المشخّصة التي يعيشها البشر.. هذا التحوّل ليس مصادفة التحوّل يعيد الإنسان في بنائه،الإنسان ليس كتلة من الشمع،التاريخ مفتوح لذلك الإسلام أتى ليعبّر عن هذه التحوّلات وان أخذ يمنح هذه التحوّلات صيغة تسمّى بالإسلامية،إنما هذه الحالة كانت يمكن أن تعبّر عن نفسها بغير الإسلام لو لم يوجد الإسلام فيها..لكنهم مسلمون وعبّروا عن أنفسهم ووصلوا للتعبيرات الأكثر قسوة والمستمدة من قسوة عيشهم هذا الوضع خلق حالة مأسوية بالعالم العربي..الناس بدأوا يفقدون كرامتهم وإنسانيتهم.. هناك أمر آخر، إن الإسلام في بنيته الاعتقادية يمثّل بنية وجه منها مطلق ووجه نسبي، فالمطلق يتمثّل بالمقولة الأولى الحاسمة «الله» انه الكل والجزء وما بينهما.. وبالتالي هذا المطلق يفصح عن نفسه –وهنا الطرافة- من خلال الإنسان المؤمن انه النسبي وبالتالي يفهم الدين بقدر ما يمتلك الإنسان من الفهم وبالتالي نشأت القراءات المتعددة للإسلام... وقد عثرت على حديث نبوي شريف يقوم على أن إنسانا مؤمنا سأل الرسول الكريم «يا رسول الله أين الله» فأجابه «الله موجود حيثما تراه».. ونتيجة ذلك الحاسمة «الجميع مؤمنون كل الطوائف والعقائد الإسلامية ليس هذا أقل أو أكثر من ذاك كلهم مؤمنون بطرائقهم «لذلك النصّ الديني يحول دون نشوء صراعات طائفية دينية، من هنا هذا الإنسان المؤمن يفهم الله من حيث يراه.. لذلك التعددية أهم نقطة في الإسلام الحديث..أم الصراعات التي تنشأ فتنشأ بصياغات أخرى.
منية العرفاوي
جريدة الصباح بتاريخ 23 نوفمبر 2016


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.