للأسف مرّة أخرى تُجانب النخبة التونسيّة مجابهة الحدث الإرهابي الجبان بعقلها. بل سرعان ما انخرطت في متاهة الأدلجة وتصفية الحسابات والبحث عن أكباش فداء وتحقيق بعض المصالح السياسويّة وتغذية حروب الكراسي ومواقع السلطة. الذين اطلعوا على أدبيات الارهابيّين يعلمون أنّهم ليسوا أغبياء وأنّ عملياتهم مدروسة بدقّة تستثمرُ أجواء الأزمات السياسيّة بغاية مزيد تعميقها وإحلال الفتنة. وتعوّل في ذلك على الفجئيّة والمباغتة بهدف إحداث المزيد من الإرباك وزعزعة الوضع العام وإفقاد الجميع عنصر الثقة والطمأنينة. وللأسف فإنّ الكثير من السياسيّين والمحلّلين يسقطون في استراتيجيات الارهابيّين في ذهابهم السريع لتوظيف العمليات الإرهابيّة الجبانة في مسارات تصفية الحسابات السياسيّة وصراعات التموقع السياسي والحزبي وفي السلطة والاستثمار في الدم والمأساة والربط العشوائي للأحداث السابقة واللاحقة. بل وفي تبادل الاتهامات الخطيرة يصل البعض منها الى حدّ الاتهام المباشر بالتورّط في العمليّة الإرهابيّة، عِوَض التحلي بروح المسؤوليّة والعمل على تجنيب الحياة الوطنية المزيد من التوتّرات والاتهامات. وهو مبتغى الارهابيّين. إنّ عمليات قتل وتفجير في أجواء تهدئة ووفاق ووحدة وطنية لا تعني شيئا في عُرف الجماعات الارهابيّة (راجع كتاب إدارة التوحّش لأبي بكر ناجي). لذا فإنّ المنهج الصحيح للتعاطي مع هذه الأحداث الأليمة والمأساوية هو توفير المساندة الفورية لقوات أمننا وجيشنا البواسل وإبلاغهم رسائل قويّة من الجميع في عدم الاستسلام والوقوف معهم بصدق وجديّة في المعركة ضدّ الإرهاب، مباركين تضحيات زملائهم الشهداء الذين سقطوا غدرا، والعودة الى التأكيد على معاني الوحدة الوطنيّة والإسراع بتجنّب مظاهر الفرقة والقطيعة وتأمين خروج عاجل من المأزق السياسي الذي تردّت فيه البلاد منذ حوالي أربعة أشهر وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء بما يسمح بتوافقات وتفاهمات كبرى تلغي أجواء الشحن والاتهام المتبادل وتمنح البلاد فرصا ايجابية للتوجه رأسا الى المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعية التي أرهقت البلاد وأتعبت الناس. رسالة خطيرة من الإرهابيين العملية الجبانة أمس في مدينة غار الدماء بمدينة جندوبة تمّت في وضح النهار 11h 45، وفي هذا رسالة مشفّرة حول الجاهزية التي عليها الجماعات الارهابيّة.وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار والتزام الحيطة وتكثيف الجهد الأمني.