بعيدا عن المؤهلات الفنية والصّراعات التكتيكية في القمّة الأوروبية المُرتقبة اللّيلة بين «الديوك» الفرنسية و»النجوم» البلجيكية ينظر الكثيرون بإعجاب كبير وربّما بتحفّظ شديد إلى «الفسيفساء البشرية» التي يخوض بها منتخبا «ديشماب» و»ماريتناز» النهائيات المُونديالية. ويلفت الفريق الفرنسي الأنظار بفضل تشكيلته الملوّنة والمُنفتحة على كلّ الجنسيات حتّى أن بعض الظّرفاء من مُتابعي منافسات المُونديال الروسي يؤكدون بأن المنتخب الأزرق أشبه بالفرق الإفريقية بسبب «السّمرة» الطّاغية على عدد من «نُجومه» الذين ظهرت على أجوائهم «الإحتفالية» أيضا النّزعة الإفريقية. منتخب كلّ الجنسيات يَضمّ الفريق الفرنسي في نسخته الحالية عددا هائلا من الأقدام المنحدرة من أصول إفريقية مثل «مبابي» صاحب الجذور الكامرونية - الجزائرية و»توليسو» (من الطّوغو) و»كانتي» (من مالي) و»أومتيتي» (من الكامرون) و»ماتويدي» (من أنغولا) و»بوغبا» (من غينيا). ولن ننسى كذلك «غريزمان» وهو سليل عائلة برتغالية هاجرت منذ عقود إلى بلد الأنوار وأهدت الكرة الفرنسية هذه الجوهرة الكروية «البيضاء» لتلمع وتُبدع بجوار بقية الجواهر «السّوداء» في مشهد رائع يُثبت للمرّة الألف قيمة الإنفتاح والتّسامح في عالم كرة القدم. والحقيقة أن هذه الظاهرة المُميّزة في التشكيلة الفرنسية ليست بالأمر الجديد بحكم أن «الديوك» الفرنسية استفادت وأفادت الكثير من أبناء المُهاجرين ويكفي التذكير بوجهين من أبطال العالم سنة 1998 وهما الفرنسي - الجزائري «زيدان» والفرنسي - الغاني «ديسايي» الذي يَدين بالكثير لتلك العائلة الفرنسية التي «تبنّته» وإحتضنته وفتحت له أبواب المجد العالمي. التميّز هو المقياس الوحيد من جهتها، تشترك بلجيكا مع فرنسا في الإنفتاح على بقيّة الجنسيات وتكريس التعايش بين أفراد منتخبها بعيدا عن كلّ أشكال التّفرقة العنصرية بسبب لون البشرة ولا فضل ل «كوارجي» على آخر إلاّ بالعمل والقدرة على التميّز وذلك ما لم تستوعبه بعض الجهات «المُتعصّبة» والرّافضة للآخر. ونجد في التشكيلة البلجيكية عدة أسماء من أصول إفريقية وعربية مثل الثنائي المُنحدر من المغرب مروان فلايني وناصر الشاذلي وأيضا المهاجم «العملاق» حجماً وأداءً «لوكاكو» صاحب الجذور الكونغولية تماما مثل زميله في الدّفاع «كُومباني». والطّريف أن «لوكاكو» يؤكد في حديثه عن هذا الجانب بالقول إن البعض يُشيد بخصاله الهجومية وحاسته التهديفية ويحرصون على القول بأنه بلجيكي عندما يمرّ بفترات زاهية مع «الشياطين الحمر» لكن بمجرّد أن يعيش فترات فراغ «يَجلدونه» ويُذكّرونه بأصوله الكونغولية. وقد يتحفّظ البعض على هذا الإنفتاخ الفرنسي - البلجيكي المُفرط على بقية الجنسيات وقد يقول البعض إن ظَاهرة إستقطاب أبناء المُهاجرين ظاهرة سلبية ومن شأنها أن تُفقد هذه المنتخبات هُويتها الأصلية بل أن بعض المُتعصّبين قد يصفونها بالفرق «الهجينة» لكن هذا لا يُخفي أبدا الفائدة «الأعظم» لسياسة الإنفتاح على الآخر والتي تكمن في القُدرة الفائقة لكرة القدم على تكريس التعايش السلمي ونبذ العنصرية بسبب إختلاف الجنسيات وتعدّد الألوان وتباين اللّغات. ونذهب أكثر من ذلك لنؤكد أنّ ظاهرة إنفتاح بعض المنتخبات على بقية الجنسيات قد تحمل في طيّاتها إشارات رمزية ودلالات سياسية مفادها سعي شعوب وحكومات دول هذه الفرق الرياضية في تعزيز ثقافة التعايش السلمي داخل مُجتمعاتها.