أيّا كان الفائز اليوم بكأس العالم لكرة القدم فإن المنتصر الحقيقي، في كل الحالات، سيكون فلاديمير بوتين. فلقد نجح الرئيس الروسي في جلب أعين العالم وجعلها مسمّرة طوال شهر كامل على مونديال روسيا، ومن وراء ذلك، على بُنى تحتيّة مرموقة، وعلى تنظيم لا تشوبه شائبة، وعلى شعب مضياف ومرح، وباختصار، على دولة تفرض عليك انطباعا أنها عائدة وبصدد استرجاع مكانها ومكانتها. وراء هذا النجاح لا يمكن أن يكون غير رجل قوي حازم ماسك بزمام الأمور. فمنذ فوزه في شهر مارس الماضي، لم ينفكّ فلاديمير بوتين يحصد النجاحات في الداخل والخارج. بدأ بترتيب البيت الداخلي. وضرب بقوة في أوساط الفاسدين والمحتكرين. واستغلّ الاحتفال المونديالي لتمرير إجراءات غير شعبية ومنها خصوصا رفع سنّ التقاعد. وتحالف مع المملكة السعودية لرفع سعر البترول ضمانا لانتعاش موارد البلاد. لكن نجاح فلاديمير بوتين الأهم يبقى الذي حقّقه على المستوى الخارجي في الشرق الأوسط. حيث تغلغل الوجود الروسي في المنطقة على ضفة جنوب المتوسط بعد أن كان شكليا أو شبه معدوم قبل سنة 2011. وفي سوريا استطاع بوتين بفضل وقوفه الحاسم الى جانب بشار الأسد أن يفرض سلاما روسيّا تتوجّه الى القبول به كل القوى الدولية والجهوية. وهو ما يضع روسيا في الوقت ذاته موضع المحاور والحكم. وفي أوروبا رغم تجديد العقوبات ضد موسكو بسبب تدخلها في أوكرانيا، فإن الوقت يمضي لصالح بوتين الذي لا يمكنه إلا الابتهاج للانتصار المتزايد الذي يحقّقه الزعماء القوميون في بلدان الاتحاد كان آخرها إيطاليا وقبلها النمسا والمجر. فكل الزعماء الوطنيين تربطهم علاقة وطيدة مع الرئيس الروسي. ويرون فيه مثال القائد الوطني المتشبّث باستقلالية قراره والذي لا يساوم في مصالح بلاده. كل الرياح العالمية تبدو إذن مواتية لفلاديمير بوتين حتى يُعيد الى روسيا ألقها الضائع ويُعيد إليها حضورها الفاعل على الساحة الدولية. وقد يُعينه في ذلك عاملان هامّان يتمثل الأول في الأزمة الوجودية التي يمرّ بها كيان الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا وتتالي انتصارات المشكّكين في جدوى هذا الاتحاد. وكان آخر وأخطر هذه الانتصارات ما تمّ في إيطاليا إحدى الدول المؤسّسة للكيان الأوروبي. الاتحاد الأوروبي لم ينجح في بناء وحدته السياسية. وأعطى الأولوية منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن للاقتصاد. وهو اليوم يدفع ثمن هذا الخيار الخاطئ الذي يخدم في النهاية الكيانات الكبرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسياوالصين. العامل الثاني هو، بالتحديد، التقارب المعلن مع الصين المحكومة هي الأخرى بيد صارمة، والذي، أي هذا التقارب، قد يمهّد لإنشاء كتلة اقتصادية وسياسية أورو آسياوية تغيّر موازين العالم. غدا لن يرفع الفريق الروسي، رغم نتائجه الباهرة، كأس العالم. لكن المنتصر الحقيقي سوف يكون الرئيس بوتين الذي يتهيّأ بعد احتفالات المونديال للتحوّل الى هلسنكي للقاء دونالد ترومب الرئيس الأمريكي الذي قد يُقرّ نهائيا بصواب سياسة الرئيس الروسي في سوريا وفي القرم.