ظلّ القذافي يردِّد في جميع خُطبه وتصريحاته، بعدما استولى على الحكم، عبارة غامضة هي «وِحدة ليبيا من طرابلس إلى أوزو»، وظل العالم بمَن فيه الخبراء يتساءل: ما هي أوزو؟ فاتّضح أنها واحة تقع في شريط من الأرض على الحدود الجنوبية لليبيا المُتاخمة لتشاد، وقد رسمتها بكل بساطة مِسطرة ضابطيْن، إيطالي وفرنسي، لما كانت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي وكانت تشاد ضِمن الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية حسب ما يروي الباحث المختص في الشأن الليبي توفيق المنستيري. أخذ الضّابطان المِسطرة ووضعا خطّ الحدود بطريقة جعلت الواحة في الجانب التشادي، لكن لم يتِم التّصديق على الاتفاقية من الجانب الليبي ولا من الجانب الفرنسي، لأن باريس أصبحت مُنشغلة بما هو أهمّ بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية. ولما استولى القذافي على الحُكم في ليبيا ، لفت أحدهم انتباه القذافي إلى أنه لم يُستكمَل التصديق على الاتفاقية وأنه من حقّ ليبيا استعادة الشريط والواحة، وهكذا تطوّرت الأمور إلى حدّ الصِّدام والحرب، لكن ليبيا خسرت المعركة العسكرية وأيضا الدبلوماسية في محكمة العدل الدولية بلاهاي. والملاحظ أن الخرائط الليبية الحالية ما زالت تضع الواحة ضِمن أراضي ليبيا. لكن رغم خسارته هذه المعركة فان القذافي لم يتوقف عن المطالبة بهذه المنطقة الحدودية مستندا في ذلك إلى الاتفاق المبرم بين موسوليني ولافال سنة 1934-1935 غير أن ذلك الاتفاق لم تتم الموافقة عليه ابدا. أدى الهجوم العسكري الليبي إلى إجلاء كل الرعايا الفرنسيين ووقف مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى ليبيا على مدى ربع قرن بعد ذلك. عندما وصل اليسار الفرنسي إلى الحكم سنة 1981، ممثلا في الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، كان ثلثا الأراضي التشادية تحت السيطرة الليبية. عندها قررت فرنسا تسليح نظام الرئيس التشادي الأسبق حسين حبري، رغم تحفظات سلطات باريس على سياساته التي كانت تصفها ب«الاستبدادية والقمعية». المفارقة أن القذافي كان يراهن كثيرا على الجنرال حسين حبري، حين كان يقود المُعارضة المسلّحة، لكن بمجرّد وصوله إلى سدّة الحكم في نجامينا، انقلب عليه. ولم تتغيّر الأمور مع وصول إدريس ديبي، الموالي لليبيا إلى الرئاسة. فمحكمة لاهاي أصدرت حُكما مُبرما في شأن أوزو، وهكذا خسر القذافي الحرب وأجبر الليبيون على التخلي عن الأراضي التي سيطروا عليها في العمق التشادي. وانسحبت القوات الليبية ولم تحتفظ إلا بشريط «أوزو» سنوات عدة أخرى. لكن مع حلول سنة 1982، استأنف الليبيون الهجوم واحتلوا الجزء الشمالي من الأراضي التشادية الأمر الذي جعل فرنسا تتدخل عسكريا وتنفذ أكبر عملية عسكرية خارجية لها منذ حرب الجزائر في الستينيات وقد أطلق على تلك الحملة العسكرية اسم «مانترا». أمكن احتواء قوات القذافي لتبدأ بعد ذلك مرحلة من المفاوضات الصعبة والشاقة. في خضم تلك المفاوضات نجح وزير الخارجية الفرنسي الاسبق رولان دوما في تنظيم لقاء سري في جزيرة «كريت» اليونانية بين الرئيس فرانسوا ميتران والعقيد معمر القذافي الأمر الذي أثار انتقادات لاذعة في فرنسا عندما افتضح الأمر وخرج للعلن. في ذلك اللقاء وعد القذافي بسحب قواته من شمال تشاد وقد تظاهرت فرنسا آنذاك بتصديق الأمر. في تلك الأثناء ادعى الأمريكيون من خلال أقمارهم الصناعية أن ليبيا لم تحترم التزاماتها، الأمر الذي اضطر فرنسا للتدخل بكل قوة ليبدأ بالتالي فصل جديد من المواجهات العسكرية العنيفة بين فرنسا وليبيا على الأراضي التشادية. في سنة 1987 قامت قوات حسين حبري والقوات الفرنسية بخرق الخط الاحمر وهاجمت فجأة القاعدة الليبية في وادي الدوم بعد هجوم جوي وبري كاسح حيث فقدت القوات الليبية القاعدة بعد قتال عنيف قتل فيه 1200 جندي ليبي إلى جانب تدمير 300 دبابة ومدرعة ليبية وأسر 250 ليبيا من بينهم قائد المنطقة العسكرية نفسه. في سنة 1986، لم تأذن فرنسا للطائرات الأمريكية بعبور مجالها الجوي التي كانت في طريقها إلى ليبيا، ذلك أن سلطات باريس كانت تعتبر أن خلافها مع ليبيا يقتصر على المسألة التشادية. كانت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان تسعى في حقيقة الأمر للتخلص من العقيد القذافي بل تصفيته جسديا، بعد أن اتهمته بالضلوع في عملية تفجير الملهى الليلي «لابيل» في برلين. والى الحلقة القادمة