جلسة منح الثقة لوزير الداخلية المُقترح لن تكون إلاّ انعكاسا لما تم التخطيط له في الكواليس، فنيل الثقة مرتهن لتكتيكات سياسية في علاقة جذرية بالصراع الحاصل بين رئيس الحكومة وحزبه منذ فترة . تونس (الشروق) خارج المنطق التقني – الاحصائي المتعلّق بجلسة عرض وزير الداخلية المُقترح هشام الفوراتي على الجلسة العامة في البرلمان للتصويت على منحه الثقة، يمكن القول إن هذه الجلسة ستكون مواجهة سياسية بامتياز . هذه المواجهة عمل رئيس الحكومة يوسف الشاهد على تأجيلها أكثر من مرة و حاول اللعب على عامل الوقت لعلّه يصلح علاقته السيئة ببعض الركائز التي كانت تُمثل حزامه السياسي ومكّنته من أن يحطّم الرقم القياسي في عدد النواب الذين صوتوا لصالحه (167 صوتا ) . مناورة سياسية حتميّة سد الشغور في وزارة الداخلية والضغط الذي واجهه الشاهد في سياق اختيار «وزير متفرّغ « لهذه المهمة ,دفعا الشاهد إلى حسم أمره واتخاذ قرار التوجه للبرلمان , لكن حتى هذا القرار يحمل في طياته «مناورة سياسية « ومحاولة لكشف حقيقة موازين القوى . سلسلة الصراعات بين رئيس الحكومة وحزبه نداء تونس، تجعل من جلسة منح الثقة لوزير الداخلية المُقترح مساحة مفتوحة على سيناريوهات عديدة، خاصة وأن الشاهد له أذرعه داخل النداء ويعلم ما يحصل في كواليس الحزب وما يُخطّط له، وحزب النداء أيضا له أعين قريبة جدا من الشاهد، تُمكّنه من الاطلاع على كل ما يُخطّط له الشاهد. استدراج الشاهد هذه المعطيات جعلت الطرفين يعدّان أكثر من مخطّط، فكواليس النداء طُرح فيها سيناريوهان، الاول يقوم على محاولة استدراج الشاهد بالتصويت الإيجابي على وزير الداخلية المُقترح وطمأنة الشاهد بأن الحزب أصبح كلّيا مع الاستقرار الحكومي ودفعه الى إجراء تحوير وزاري معمّق يتضمّن أكثر من ثُلث التشكيلة الحكومية في أقرب وقت ثم التصويت سلبيا على التحوير. وبعد الاطاحة بالتحوير الوزاري يطلب النداء من الشاهد الاستقالة باعتباره اصبح عاجزا عن تمرير تحوير وزاري وأصبحت تشكيلته الحكومية شديدة الضعف جرّاء الفراغات التي خلّفتها محاولة التحوير . رفض الوزير الجديد أما السيناريو الثاني فيقوم على محاولة ربح الوقت وإسقاط وزير الداخلية المُقترح في التصويت ثم طلب استقالة الشاهد باعتبار أنه عجز عن نيل الثقة لوزير سيحمل أهم حقيبة في الحكومة الحالية .وارتباطا برمزية هذه الوزارة و دورها المحوري في مكافحة المخاطر الارهابية فان إسقاط اسم مقترح لقيادتها يُعادل رفضا للقيادة الحالية للحكومة . أما رئيس الحكومة يوسف الشاهد فيبدو أنه مُدرك لما يُخطّط له ,فبالرغم من الضغط الشديد الذي مورس عليه ليُعجّل بالتحوير الوزاري إلاّ انه حاول ربح الوقت وسعى الى عدم التوجه الى البرلمان قبل أن يُعدّل اوتاره و يُعدّ مخرجا امنا لكل مُستجد يمكن أن يواجهه في الجلسة العامة . نيل الثقة مرة ثانية وأحد السيناريوات التي خطّط لها الشاهد ,الدّفع بوزير مُقترح لقيادة الداخلية ,وهذه الخطوة هي محاولة لفهم حقيقة التوازنات داخل البرلمان فان سقط الوزير المُقترح فان الشاهد سيعدل عن فكرة اجراء تحوير وزاري عميق باعتبار أن إسقاط التحوير سيُمثّل تهديدا مباشرا لبقائه . أما السيناريو الثاني فهو قائم على إمكانية النجاح في تمرير وزير جديد للداخلية ,وهذه الفرضية تتبعها خطوة اخرى تتمثل في الترويج لهذا الانتصار وكأنه منح جديد للثقة في حكومته ,و بالتالي فقد أفقد كل من طالبه سابقا بالتوجه للبرلمان وعرض حكومته على الثقة مرة ثانية ,كل حجّة . مهما كانت النتيجة التي سيُسفر عنها التصويت في الجلسة العامة فمن المنتظر أن تكون الجلسة ساخنة يوجّه فيها نقد لاذع للحكومة باعتبار تراكم الاشكالات الاقتصادية والاجتماعية وضعف اداء عدد كبير من الوزراء , الى جانب تشكيك عدد كبير من النواب في الأسباب الحقيقية التي قال رئيس الحكومة انها دفعته لتغيير وزير الداخلية السابق لطفي براهم .