منح مجلس نواب الشعب ليلة أمس ثقته لوزير الداخلية الجديد هشام الفوراتي بأغلبية 148 صوتا في جلسة مشحونة بالتوتر وتحت الضغط العالي. وسجّلت الجلسة العامة لعرض مقترح رئيس الحكومة تعيين هشام الفوراتي وزيرا للداخلية على ثقة البرلمان حضور 168 نائبا عند افتتاحها في حدود الساعة الثانية ظهرا وانتهت في الساعة التاسعة ليلا، حيث صوت 148 نائبا لصالح المقترح وعارضه 13 نائبا فيما احتفظ 8 نواب بأصواتهم. 8 ساعات رجّحت كفة الشاهد في البرلمان وزير الداخلية الجديد يمر ب 148 صوتا تونس – الشروق – ثماني ساعات و«تسريب» كانا كافيين لقلب كل المعادلات في البرلمان، من سقوط محتوم لوزير الداخلية الجديد وفشله في نيل الثقة الى الحصول على اغلبية مريحة. سويعات قليلة قبل الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة لوزير الداخلية الجديد هشام الفوراتي، كان الأمر شديد التركيب، لقاءات متتالية يعقدها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، و الامين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق، وقبلها التقى بنواب كتلة النداء .. وكانت كل المعطيات توحي بتحضير اصطفاف جديد ضد رئيس الحكومة، وتحالف مهمته الاساسية إسقاط التحوير الوزاري الذي سيعرضه الشاهد على البرلمان. اختلاف المواقف انتهت اللقاءات و تناقضت التصريحات، فنواب النداء الذين عقدوا جلسة للتصويت على القرار الرسمي الذي ستتخذه الكتلة، وكان من المفترض ان يكون امتدادا لما تم الاتفاق عليه مع رئيس الجمهورية، صوت أغلبهم ضد منح الثقة للوزير الجديد في حين صوت اخرون مع تمكين الوزير من أصواتهم. أما رئيس حزب مشروع تونس محسن مرزوق فقد أكد أن كتلة المشروع سيحتفظ نوابها بأصواتهم، في حين واصل راشد الغنوشي التأكيد على تمسك النهضة بمساندة التحوير. لم تكن أكثر التقديرات تفاؤلا تمنح التحوير الوزاري أكثر من مائة صوت، وهي اصوات متناثرة بين الكتل النيابية إضافة الى اصوات نواب كتلة النهضة . لكن الثماني ساعات الممتدة من الساعة التاسعة صباحا الى الخامسة مساء كانت كافية لقلب كل المعادلات. الساعة الثامنة و خمس عشرة دقيقة، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في البرلمان، الغنوشي هو أول الوافدين، دخل الى مكتب الكتلة وانتظر حضور النواب، اجتمع بهم في جلسة امتدت ما يقارب الساعة، تدخّل خلالها بعض النواب ونبهوا من إمكانية عزل النهضة إذا ما صوتت بمفردها لصالح التحوير. بالرغم من الموقف الرسمي للحركة إلاّ أن عددا كبيرا من نواب النهضة أبدوا خشيتهم من «العزلة « في مناصرة الشاهد و السير خلفه بعد أن فقد دعم حزبه، في حين كان نواب النداء مطمئنين على عدم حصول الوزير على ثقة النواب ولم يجهدوا أنفسهم في البحث عن مناصرين لتوجههم. مرّ الوقت سريعا لتتغير نبرة النقاشات في بهو البرلمان, واجتاح الكواليس تسريب يؤكد إمكانية حصول الوزير الجديد على 120 صوتا دون احتساب اصوات نواب كتلة النداء، ولم تخل النقاشات في كل الزوايا من حديث عن الاحراج الذي سيقع فيه رئيس الجمهورية و كل القائمين على قيادة النداء إن تمكن الوزير من المرور دون دعم النداء. تسريب هذا الخبر أثّر على قناعات بعض نواب النداء، وأدخلهم في مواجهة حادة مع المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي الذي دعا الى اجتماع في احدى قاعات مجلس النواب، وبلغت المواجهة بينه وبين بعض النواب حدّ التهديد بغلق الحزب إن استمروا في التأكيد على ضرورة التصويت لصالح التحوير. الاجتماع الثالث رُفع الاجتماع الثاني لنواب النداء، و اتفق الحاضرون فيه على عدم التصريح للإعلام، لكن نقاشاتهم التي استمرت في الكواليس اكدت ان الكتلة انقسمت واصبحت كتلتين، وأن بعض النواب لن ينضبطوا لقرار الاطاحة بالوزير الجديد مهما حصل. في الاثناء تكثّف الحديث عن امكانية مرور الوزير الذي اصبح على قاب قوسين او ادنى من الحصول على الثقة دون موافقة كتلة النداء.. ولم تمض سوى بعض الدقائق حتى قرّر نواب النداء العودة الى اجتماع اخر بحضور حافظ قائد السبسي، إجتماع إمتد على بعض الدقائق لينتهي بندوة صحفية قال فيها رئيس الكتلة سفيان طوبال أن كتلة النداء ستصوت لصالح الوزير الجديد استجابة «للمسؤولية الوطنية». هذا الانقلاب في الموقف، ولئن تم تبريره رسميا «بالمسؤولية الوطنية» إلاّ أنه واقعيا ينبني على سبب رئيسي وهو الخوف من «العزلة»، خوف نقله النواب سريعا من قصر باردو الى قصر قرطاج مع تاكيد على إمكانية ضرب مشروعية رئيس الجمهورية إن تحصل الوزير الجديد على الاغلبية دون موافقة كتلة النداء، التي تم الترويج الى ان تصويتها سيكون منسجما مع رغبة الباجي قائد السبسي. قلب ما جرى في الكواليس كل المعادلات، وانتقل المشهد في ثماني ساعات من «عزلة» مفترضة للنهضة، إلى «عزلة» مفترضة للنداء، إلى عودة للتوافق والتصويت الموحد.