يوم غرة جوان 1955 كان حدثا تاريخيا استثنائيا في حياة البلاد التونسية التي عاد اليها في ذلك اليوم الزعيم الحبيب بورقيبة طليقا من معقله يحمل بإحدى يديه وثائق الاعتراف الرسمي بالدولة التونسية وبالأخرى علم الجهاد المستمر لضمان كرامة الأجيال فاستقبل استقبال الأبطال الظافرين. في هذا اليوم (1 جوان 1955) عاد الزعيم الحبيب بورقيبة الى أهله ووطنه وهي المرة الثالثة التي يقدم فيها المستعمرون على اعتقاله منذ أن نذر حياته لتحرير تونس، كانت الاولى في سبتمبر 1934 والثانية في أفريل 1938 والثالثة في جانفي 1952 حيث قضى في هذه المرة أكثر من ثلاث سنوات منفيا متنقلا بين طبرقة في أقصى الشمال ورمادة بأقصى الجنوب ثم على صخرة جالطة تجاه الشواطئ الشمالية ثم المنافي الفرنسية. في تلك الظروف تولى بيار منداس فرانس رئاسة الحكومة الفرنسية عقب معركة «ديان بيان فو» بالهند الصينية وبينما كان يفاوض في جنيف من اجل انهاء الحرب الفيتنامية أذن بنقل بورقيبة الى بلدة «أميلي» قرب باريس ثم تحوّل بيار منداس فرانس وأعلن أمام الباي يوم 31 جويلية 1954 استقلال تونس الداخلي وتشكلت يوم 2 أوت الموالي حكومة تونسية للتفاوض مع فرنسا بمشاركة الحزب الدستوري. وبدأت المفاوضات في سبتمبر في تونس ثم في باريس بين مدّ وجزر وكلّما تعثرت كان الوفد التفاوضي التونسي يرجع الى بورقيبة يسترشده ويتلقى منه التعليمات فتخرج المفاوضات من المأزق الى ان تم تحرير نصوص الاتفاقيات الضابطة للحكم الذاتي ووقعها المفاوضون بالأحرف الاولى، وقرر الزعيم الحبيب بورقيبة العودة الى تونس فاستقل القطار يوم 30 ماي 1955 من باريس الى مرسيليا وفي صبيحة يوم 31 ماي امتطى متن الباخرة «مدينة الجزائر» في اتجاهها نحو تونس. وكان يوم غرة جوان 1955 يوما تاريخيا عظيما عاشه الشعب التونسي وستبقى ذكراه خالدة في الأذهان تتناقله الأجيال كوثيقة عن وحدة الشعب وتمسكه وتعلقه بالرجل الذي أحبه ووهب حياته من أجل تحريره.