«تونس القوة العظمى وأمة متقاعسة ومسجد متهاو»، كتب ان قرأتها ستكتشف مقاربات جديدة اعتمدها استاذ الفلسفة والباحث الصحبي الخالدي في قراءته للثورة التونسية ولتشنجاتها على مدى السنوات السبع الاخيرة... «الشروق» التلقته في هذا الحوار الذي نحا منحى الدعوة الى تصحيح مسارات الثورة... - هل يعقل ان يتوقف مصير شعب بأسره على فتوى يصدرها المفتي ثم ما معنى مفتي الجمهورية. الاسلاميون واليساريون والقوميون وحتى الليبراليين ممن عارضوا النظام المطاح به لم يكن لهم اي دور في هذه الثورة. الغرب لن يتركنا نتقدم... تخمينات وبدع تروج لها الطبقة السياسية التقليدية من اجل تأبيد سلطتها وحكمها. تعتبرون ان الثورة التونسية تعرضت الى عملية سطو وان محركها الاساسي لم يكن ايديولوجيا. كيف تقرؤون اذا هذه الثورة؟ اعتقد ان الثورة التونسية هي اهم ثورة للانسانية في التاريخ الحديث بما انها اول ثورة يكون محركها الرئيسي العلم والتكنولوجيا وليس الفكر السياسي ولا المحاميل الايديولوجية التقليدية. لا يوجد في تونس كارل ماركس ولا ميشال عفلق ولا حسن البنا ليؤثروا في الشعب ومن ثمة جره لينتفض ضد الحاكم وتغيير النظام السياسي والمنهج الاقتصادي المطاح بهما بنظام سياسي ومنهج اقتصادي جديدين يستندان الى فكر او ايديولوجيا ما. ما حصل ان هذا الشعب استفاد من الوسائط الرقمية وادوات الاتصال كالحاسوب والهاتف ليطيح بالنظام لذلك لا نجد لهذه الثورة كما في سائر الثورات الكلاسيكية زعيما او قائدا وهو ما يدفعني الى القول بان هذه الثورة هي ثورة رقمية بامتياز ولو كانت عكس ذلك لنجح النظام المطاح به في اخمادها بعزل قادتها وزعمائها وتحييدهم اما باستعمال القوة او باحتوائهم. لكن النظام المطاح به وجد نفسه امام ملايين القادة الذين يتحرّكون خلف اجهزتهم دون ان يمكن له التفاوض معهم مباشرة أو حتى التعرف عليهم. وللأسف سيتم السطو على هذه الثورة من طرف فاعلين سياسيين لا يختلفون كثيرا عن النظام المطاح به وكان من الطبيعي ان يعيدوا إنتاج نفس المنظومة السابقة ولكن بشكل غبي وقبيح ومبتذل. هذا يجرنا الى التساؤل ما اذا كانت الايديولوجيا بما هي دين أو أي شكل آخر من اشكال الفكر تخلت عن دورها كمحرّك للثورة لفائدة محرك آخر وهو الرقمي؟ هذا مما لا شك فيه ولو بسطنا المسألة وسحبناها على ما حدث في تونس فسنجد ان الاسلاميين واليساريين والقوميين وحتى الليبراليين ممن عارضوا النظام المطاح به لم يكن لهم أي دور في هذه الثورة بل ان البعض منهم حاول انقاذ النظام في الليلة الاخيرة التي سبقت يوم 14 جانفي 2011. من كان فاعل حقا هم الذين كانوا وراء حواسيبهم وهواتفهم وهم في اعتقادي الشعب حتى وان كان من يقول ان جهات أجنبية حرّكت ماكينة الانترنات للاطاحة بهذا النظام. ولكن ما يجب التأكيد عليه انه في المحصلة لم يكن هناك محرّك سياسي أو ايديولوجي خلف هذه الثورة التي قامت على الانترنات لتصبح في تقييمي أول ثورة سياسية رقمية في التاريخ تنجح في الاطاحة بنظام. وللأسف ركبت الاحزاب السياسية هذه الثورة عمدا لنسفها من الداخل وتقزيمها وتطويعها وافراغها من محتواها العلمي للتحول الى ثورة تشنجات تارة دينية وتارة يسارية وتارة قومية وتارة جمهورية وحتى ملكية بدعوة البعض الى الخلافة وحتى النظام الباياتي... كتابكم الاول حمل عنوان «تونس القوة العظمى. كيف لهذا البلد الصغير جغرافيا وديموغرافيا أن يتحوّل الى قوة عظمى؟ وجب علينا الاعتراف أولا بأن الثورة التونسية محركها الاساسي علمي ورقمي ثم نعمل على تصحيح مسارات هذه الثورة بالانطلاق في التحضير الى الثورة الصناعية التونسية اعتمادا على مواردنا الذاتية وفي طليعتها الطاقة البديلة والاتصالات. نحن اذا بحاجة الى العودة الى حضن الجامعة التونسية لخوض غمار هذه الثورة الصناعية والتأسيس لها بالعلم والمعرفة وليس بالقرار السياسي المتنشج. ان اي دولة تنجح في ايجاد موارد للطاقة غير الطاقة الاحفورية قادرة على اطلاق شرارة ثورتها الصناعية ونحن في تونس لنا القدرة في إنتاج حاجياتنا الطاقية بالاستثمار في الطاقات البديلة والاتصالات اللذين يعتبران اليوم اهم ركيزة لاي ثورة صناعية واقتصادية. ثم ان تونس تمتلك ثروة أخرى يمكن الاستفادة منها كثيرا سواء كسوق او كرصيد بشري وأعني هنا القارة الافريقية التي توفر فرصة تاريخية لتونس من أجل التموقع كمشروع سياسي واقتصادي يمكن ان يلعب دور القاطرة لهذه القارة. فقط علينا ان نعيد الامور الى نصابها ووضع الثورة في مدارها الصحيح والقطع مع الافكار التي تسوق ان مآسينا تقف وراءها قوى خارجية وان الغرب لن يتركنا نتقدم وهكذا تخمينات وبدع تروج لها الطبقة السياسية التقليدية من اجل تأبيد سلطتها وحكمها... في كتابكم أمّة متقاعسة ومسجد متهاو...تطالبون بمراجعة عديد المفاهيم والمؤسسات الدينية. هل يمكن ذلك في تونس اليوم؟ طبعا ممكن... اذا توفر العقل والنقد والجدل... ومن باب الدعابة لا غير هل يعقل ان يتوقف مصير شعب بأسره على فتوى يصدرها المفتي ثم ما معنى مفتي الجمهورية...الاصطلاحان يتعارضان اصلا فالجمهورية لا مرجعية دينية لها والمفتي لا نظام سياسي جمهوري له. هذا ترف ديني وسياسي لا وجود له الا عندنا. وللتاريخ منصب المفتي اختراع عثماني تخلى عنه الاتراك وارتهنا نحن له. كذلك المسجد كمؤسسة عليه ان يحيد ويعود ليلعب دوره الاجتماعي كمؤسسة خيرية لا علاقة لها بالشأن السياسي. ذات الامر ينسحب على وزارة الشؤون الدينية التي لا موجب لوجودها ناهيك وانها لا ترعى الا شؤون الدين الاسلامي والحال ان هناك مي يدين بديانات أخرى في هذه البلاد وهم على نفس الدرجة من الحقوق والواجبات مثلهم مثل باقي التونسيين ممن يدينون بالاسلام...